سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

انبهار معلم بمعلّميه

يستعير الدكتور طريف الخالدي، أستاذ العلوم الإسلامية في الجامعة الأميركية (بيروت) قول المفكر الإيطالي إيتالو كالغنينو في تعريف الكتاب الكلاسيكي بأنه «الكتاب الذي تشعر أنه لم يقل كل شيء بعد». ينطلق من هذه القاعدة ليصل إلى معادلتين؛ الأولى شخصية، وهي أن الجاحظ هو الذي قلب صناعة التأريخ العربي من الإسناد إلى التأليف، وهي نظرية ربما قابلة للتوسع والإفاضة، وليس للنقاش. المعادلة الثانية، وهي قناعة شبه عامة، هي أن ابن خلدون هو «إمام المؤرخين».
لا أدري ما اللقب الذي يستحقه بين المؤرخين المعاصرين، الذين تميز بينهم بترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية... عمل وصفته «الغارديان» يوم صدوره قبل نحو عقد، بأنه «ليس أحدث الترجمات، بل أفضلها». ويضاف «أنا والكتب» إلى الروائع النقدية التي وضعها الخالدي لتلامذته، داخل الصفوف وخارجها. (دار الجمل).
و«الكتب» التي يعنيها الخالدي هنا هي فقط الآثار الكبرى التي تحولت إلى مراجع نهائية في دراسة التراث الإسلامي. ويرى في «المقدمة» البحث الأكثر علومية في تحليل التاريخ. ويحدد ابن خلدون نفسه شروط التأليف بالقول: «يحتاج صاحب هذا الفن إلى العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات واختلاف الأمم والبقاع والأمصار في السير والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب...».
ويعلق الخالدي: «لو أردنا أن نترجم هذا الكلام إلى لغة الحاضر لقلنا إن الذي يتنطح لكتابة التاريخ عليه أن يكون قد حصل على درجة الدكتوراه في العلوم التالية: العلوم السياسية، والاقتصاد، وعلم البيئة، وعلم الاجتماع، وعلم الأحياء، والفلسفة والمنطق، وعلم الكلام، والعلوم الفقهية، والتاريخ المقارن، وعلم الجغرافيا والأدب، ولَوَجَبَ أن يسمي نفسه (الدكاترة فلان الفلاني)».
ويرى الخالدي أن ابن خلدون قلب رأساً على عقب، كتلة مفاهيم الحضارات القروسطيّة؛ شرقًا وغرباً، عندما كان أول من بحث في «علم العمران البشري». قبله كانت العلوم منصبة على الإنسان الفرد وما في عالمه من خير وشر وعبادات وبطولة وما إليها من محاور فردية أخرى؛ «أما ابن خلدون، فيرى أن العمران البشري هو الأمر الجدير بالفحص والتدقيق». فالإنسان لا يمكن فهمه إلا من خلال فهم بيئته. إنه، كما جاء في عنوان «المقدمة»: «المبتدأ، أما بيئته فهي الخبر الذي يضفي عليه معناه الشامل».
يذهب إلى أبعد من ذلك ليعتبر أن أثر ابن خلدون في الفكر الغربي، لا يقل عن التأثير الذي أحدثه كارل ماركس في الاتجاهات الفلسفية.