مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

يقلب البحر طحينة

صدق من قال: أعطني عمراً وارمني في البحر.
وسوف أستعرض عدة حوادث نجا أصحابها من موت محقق إما بالحظ أو الصدفة.
1- فهذا شاب أميركي اسمه ميسون ويلز، نجا من هجمات بوسطن، ومن هجمات باريس، وأصيب بجروح بسيطة في هجوم بروكسل، وما زال ينتظر الرابعة – والظاهر أن عمره عمر (بس).
2- والروسية يكاتيرينا، ألغت رحلتها مع ابنها الصغير لأنها أضاعت جواز سفرها، وسقطت الطائرة بعد ساعات في جنوب روسيا وهلك كل ركابها.
3- ونجا الطالب داود إبراهيم البالغ من العمر 15 عاماً، من المجزرة التي تعرضت لها مدرسة في بيشاور الباكستانية، لأنه لم يتمكن من الاستيقاظ في موعده للحاق بالدوام الدراسي بسبب خلل في المنبه، مما جعل والدته تشتكيه لوالده، فضربه والده عقاباً له على بلادته واستسلامه للنوم.
وفي تمام الساعة الثانية ظهراً، تعرضت مدرسة إبراهيم لهجوم إرهابي راح ضحيته أكثر من 143 ما بين تلميذ ومدرس.
4- كان الراكب علي بن مسعود الغامدي، مؤكداً مقاعد رحلته مع زوجته وطفلته في الرحلة رقم 163 من الرياض إلى جدة، وقبل دخول الطائرة وإذا بثلاثة رجال كبار السن يأتون بملابس الإحرام، يترجون المسؤول بإلحاقهم بهذه الرحلة، وعندما سمعهم علي عطف عليهم، وتنازل لهم عن حجزه، على أن يلحق مع عائلته في الرحلة الثانية، وسقطت الطائرة الأولى ونجا هو وعائلته.
5- وعلى نفس الطائرة كان سليمان بن عبد الله قد وصل متأخراً للمطار ووجد أن الرحلة قد أقلعت، فما كان منه إلاّ أن يتوجه من الرياض إلى جدة بسيارته، وحيث إنه لم تكن هناك جوالات في ذلك الوقت، فلم يخبر والده الذي ذهب للمطار لاستقباله، وما أن علموا باحتراق الطائرة حتى انقلب منزلهم إلى مناحة.
وعندما وصل سليمان إلى جدة في الصباح الباكر وطرق منزل الأسرة، وما أن شاهدوه حتى أغمي على أبيه وأمه من شدة المفاجأة والفرحة.
6- أما السعيد السعيد حقاً – والذي حسدته على حظه – فهو العامل الباكستاني في دبي محمد بشير عبد القادر، الذي فاتت عليه الرحلة بسبب (الترافك) وعاد إلى سكنه مكسور الخاطر.
وبما أنه سبق له أن اشترى ورقة (يا نصيب)، فقد ذهب إلى مكان إعلان النتائج، وإذا بورقته تربح ما قيمته مليون دولار، وأخذ يتنطط وهو يقول: لو أنني عملت ألف سنة لما حصلت على هذا المبلغ، والحمد لله أن الرحلة قد فاتتني، لأنني لو سافرت عليها لضاع عليّ المليون، وضاعت حياتي.
الرجل سلم من الموت، وكتبت له حياة جديدة، وفوقها كمان مليون؟!
مفروض عليه في هذه الحالة أن (يقلب البحر طحينة).