سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

متفقداً...

في المشهد أكثر من عرض: الاثنين 11 ديسمبر (كانون الأول) هو النهار الذي زار فيه فلاديمير بوتين ثلاثة بلدان دفعة واحدة: قاعدته العسكرية في سوريا. حليفه الجديد في تركيا. والصديق الجديد في مصر.
قوة احتمال جسدية واضحة، كما يريد الرئيس الروسي لشعبه (أو ناخبه) أن يلاحظ، وقوة سياسية تضع موسكو في مكان لم تعرفه من قبل: انتصار عسكري في سوريا. وانتصار دبلوماسي في نقل تركيا من المعسكر الغربي إلى معسكر موسكو. وانتصار آخر بعودة روسيا إلى مصر، وبهذا المستوى، للمرة الأولى منذ أن طرد أنور السادات «الخبراء السوفيات».
كل ذلك - لضيق الوقت - في نهار واحد: فطور حميم في حميميم بلا حضور إضافي، غداء سريع في القاهرة، وعشاء موسع حسب التقاليد السلطانية والذكريات الإمبراطورية، في بلاد البسفور، حيث عرفت روسيا الأحلاف والحروب. الآن دور دائرة الأحلاف.
قد يخطر لك أن تتساءل (من قبيل المودة فقط): ألا يا أيها الرفيق فلاديميرروفيتش، ألا تستحق ثلاث دول رئيسية، ثلاثة أيام كاملة، على ما غنى الراحل محمد عبد المطلب: السبت فات، والحد فات، وبعد بكرا يوم الثلاث؟
إنه الزهو يا عزيزي. إعلان العودة إلى الشرق الأوسط دولة كبرى، لا يكون إلا دفعة واحدة. ثم إن الرجل لديه مواعيد أخرى، خصوصاً في سوتشي، المقر الشتوي للقيصر، ورمز العز الأولمبي.
عندما كان ليونيد بريجينيف زعيماً للاتحاد السوفياتي. قام بآخر زيارة خارجية له، على ما أذكر، إلى فرنسا. وكان وفده ينتظر أن يفيق من النوم لكي يحدد موعد المحادثات مع الجانب الفرنسي. وأما بوريس يلتسين؛ أول رئيس روسي بعد السوفيات، فقد جاء مرة لزيارة آيرلندا، وعندما وصل إلى مطار شانون، كان الرئيس الآيرلندي في انتظاره. لكن الرئيس الروسي كان نائماً. ظلت الطائرة رابضة والرئيس الآيرلندي منتظراً عند أسفل السلم، وظل الرئيس الروسي نائماً في بحر من الفودكا. وفي النهاية، عاد الرئيس الآيرلندي إلى منزله، وآفاق الرئيس الروسي في موسكو.
أعلن فلاديمير بوتين ترشحه للرئاسة مرة أخرى. البرنامج؟ لا بريجينيف ولا يلتسين. ولا يخرج من أفغانستان أو الشيشان منكسراً، بل يدمر كل ما في طريقه في سوريا أيضاً؛ براً وبحراً وجواً... وعند الاضطرار، بالصواريخ من قزوين، ثم يحتفل بجولة خاطفة على الشرق الأوسط الجديد حقاً.