إيلي ليك
TT

هل فككت «عملية كاساندرا» ضد «حزب الله»؟

عندما عمدت إدارة أوباما إلى الترويج للاتفاق النووي الذي وقعته مع إيران داخل الكونغرس عام 2015، تمثلت واحدة من الحجج الأساسية التي طرحتها الإدارة في أن الاتفاق يتسم بضيق نطاقه، فهو يقضي برفع العقوبات النووية فقط. وأخبرنا الرئيس أوباما أن أميركا ستبقى خصماً يقظاً لأطماع إيران الإقليمية من خلال أداة العقوبات وأدوات أخرى.
وبفضل تقرير جديد صادم من جوش مير، بمجلة «بوليتيكو»، أصبح بمقدورنا اليوم تقييم مدى صحة هذه التأكيدات والوصول إلى نتيجة مفادها أنها كانت أشبه بـ«حقائق بديلة».
أشار مير إلى أنه في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة وقوى عظمى أخرى تتفاوض بخصوص التوصل لاتفاق يضمن الشفافية في برنامج إيران النووي، كان كبار مسؤولي إدارة أوباما يعكفون على تفكيك حملة عرفت باسم «عملية كاساندرا» ترمي لتقويض شبكة «حزب الله» العالمية للاتجار بالمخدرات وغسل الأموال.
وفي غضون شهور قلائل من تنفيذ الاتفاق المبرم في يناير (كانون الثاني) 2016 تعرضت «عملية كاساندرا» للنسف وجرى تكليف العملاء العاملين فيها بمهام أخرى. وأفلت الأشرار من العقاب.
اللافت أن «حزب الله» يشكل أموراً عدة معاً: فهو حزب سياسي لبناني وميليشيا وحركة دينية شيعية. كما أنه ذراع للسياسة الخارجية الإيرانية. وتحارب قوات من «حزب الله» بجانب قيادات من الحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق. كما تتولى طهران الإشراف على عمل العملاء التابعين للجماعة، خلال تنفيذهم هجمات إرهابية في أميركا اللاتينية. كما تتولى الدولة الإيرانية توفير الترسانة المتطورة التي يحظى بها «حزب الله». وتوفر تجارة المخدرات التي تضطلع بها الجماعة اللبنانية وهي العائدات التي تحتاج إليها لتمويل جهودها في نشر الفوضى. وعليه، فإن التصدي لهذه التجارة يعني حرمان الجماعة الرئيسة التي تعمل بالوكالة عن إيران من مصدر رئيس للدخل.
في المقابل، اعتقدت إدارة أوباما أن شن إجراءات صارمة ضد تجارة «حزب الله» في المخدرات سيقوض المفاوضات النووية مع إيران. ومثلما أخبر ديفيد أشر، المحلل السابق لشؤون الأموال غير المشروعة لدى «البنتاغون» وأحد العناصر الرئيسة في عملية كاساندرا، مير فإنه: «كان هذا قراراً سياسيا، وقراراً ممنهجاً. لقد نسفوا هذه الجهود التي حظيت بدعم وتمويل كبيرين، وجرى تنفيذ هذا الأمر من أعلى لأسفل».
الواقع، تبدو التفاصيل مثيرة للقلق. تتضمن أحد الأمثلة علي فياض الذي اشتبه عملاء أميركيون في كونه عميلاً لدى «حزب الله» يقدم تقارير مباشرة إلى الكرملين، وذلك باعتباره مورد سلاح في العراق وسوريا. عام 2014 ألقت السلطات التشيكية القبض على فياض. وأشار مير إلى أنه على الرغم من إدانة محاكم أميركية لفياض بتهمة التآمر لقتل مسؤولين أميركيين، فإن «مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة أوباما رفضوا ممارسة أي ضغوط حقيقية على الحكومة التشيكية لترحيل فياض إلى الولايات المتحدة، حتى في الوقت الذي كان بوتين يمارس جهود ضغط قوية ضد هذا الأمر». في نهاية الأمر، وجد فياض طريقه إلى لبنان ومن المعتقد أنه عاد اليوم لعمله القديم في توفير السلاح لمسلحين مدعومين من جانب إيران داخل سوريا.
ولو كانت إدارة ترمب هي التي سمحت لفياض بالإفلات من شبكة إنفاذ القانون، لكان الأمر تحول إلى فضيحة كبرى. ومع هذا، نجد أن هذا الأمر بالنسبة لإدارة أوباما تحول إلى جزء من نمط عام. لم يطلب أوباما قط من جيران سوريا حرمان الطائرات الروسية من حقوق التحليق فوق أراضيها عام 2015 الأمر الذي كان بمقدوره إبطاء أو منع بوتين من بناء قواعد جوية في سوريا التي جرى استغلالها في مساعدة النظام السوري.
وقد أنشأت روسيا هذه القواعد في غضون أقل من شهرين قبل نهاية بعد نهاية المفاوضات النووية الإيرانية. أيضاً، رأى الجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس، في إنجاز المحادثات النووية ضوءاً أخضر. وسرعان ما ركب الطائرة إلى موسكو لصياغة ملامح تحالف تكتيكي بين روسيا وإيران داخل سوريا، في الوقت الذي استمر أوباما في محاولة إقناع أكثر من ثلث الكونغرس بدعم الاتفاق النووي.
وقد شكك مسؤولو إدارة أوباما الذين تواصلنا معهم طلباً للحصول على تعليق، في أجزاء مما ورد بتقرير مير. وأشار كيفين لويس، المتحدث الرسمي باسم أوباما، إلى بعض عمليات إلقاء القبض الأوروبية على أفراد من «حزب الله» بعد تنفيذ الاتفاق النووي. إلا أن مير ذكر أن مسؤولين بعملية كاساندرا ذكروا أن هؤلاء العملاء ألقي القبض عليهم في أعقاب وقف وزارة العدل في عهد أوباما جهود محاكمة مثل هؤلاء العملاء داخل المحاكم في الولايات المتحدة.
من جانبه، ذكر مسؤول بارز بالأمن الوطني رفض ذكر اسمه، في حديث له مع مير أن عملية وكالة مكافحة المخدرات الأميركية، ربما كانت لتحبط عن دون قصد عملية استخباراتية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) أو إسرائيل داخل «حزب الله».
إلا أن هذا الادعاء يبدو مشكوكاً فيه صحته، على الأقل بالنسبة لـ«سي آي إيه». كانت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» قد أشارت عام 2011 إلى أن مكتب بيروت التابع للوكالة والمسؤول عن مراقبة «حزب الله» أوقف عن العمل، بعد إلقاء القبض على معظم مصادره ذلك العام. ومن غير المحتمل أن تتمكن الوكالة من بناء شبكة مصادرها مجدداً في غضون سنوات قلائل.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»