مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر

قبل أيام كنت أقود سيارتي في الطريق الدائري الشرقي لجدة، متجهاً من الشمال إلى الجنوب، وسعدت برؤيتي لمسار القطار الجديد الذي سوف ينطلق بعد أشهر قليلة، غير أن ما طيّر سعادتي، ونكد عليّ هو رؤيتي للحاجز الشبكي الممتلئ بالآلاف المؤلفة من الأكياس البلاستيكية الملتصقة به.
يعني باختصار أنه منظر متناقض، بين قمّة التحضر، وقمّة الهمجيّة.
مشكلة أكياس البلاستيك ليست مقتصرة على المدن، بل إن الرياح أسهمت في إيصالها للوديان والمزارع والجبال والمراعي، فكانت وبالاً وشراً مستطيراً على الأشجار والنباتات الصحراوية التي هي بالكاد تجود عليها السماء بين فترات متباعدة بقطرات قليلة من الماء، وفوق ذلك تأتي هذه الأكياس لتتشبث في كل نبتة ولا تتركها إلاّ بعد أن تموت - إنه في الواقع (زواج كاثوليكي) بين الحياة وعزرائيل.
ومما قرأته في جريدة (مكة) لمدير عام الإدارة العامة للنظافة بأمانة العاصمة المقدسة، أن عدد العبوات البلاستيكية التي خلفها الحجاج ورموها في الشوارع تجاوز عددها 70 مليون عبوة - رغم وجود آلاف صناديق الزبالة الفارغة التي تناديهم ولكن: لا حياة لمن تنادي.
ولا أدري ما هي الثقافة الإنسانية التي يستند إليها الحجاج، استوعبنا أنهم يرمون الشياطين بالحجارة - وهذه شعيرة حسنة وإيجابية، ولكن ما ذنب الشوارع والطرقات حتى ترمى بالمخلفات؟! إنها ليست شياطين يا عالم.
وفرحت عندما قرأت أن السعودية قررت أن تمنع استيراد وتصنيع المواد البلاستيكية (غير المتحللة)، وكنت أتمنى لو أن هذا القرار قد صدر قبل سنوات، ولكن (ريحة أبو زيد ولا عدمه)، وخير لك أن تصل متأخراً، من أن لا تصل أبداً.
وللمعلومية فإن هذه المنتجات تعادل كل عام 20 ضعفاً من المعدل العالمي، وفق قياس الاتحاد الأوروبي.
والآن هناك كثير من المدن الأوروبية، فرضت على أماكن البيع أن تستخدم الأكياس الورقية فقط.
وللأمانة فليست السعودية ودول الخليج هي المتورطة في ذلك، صحيح أن معدلاتها مرتفعة، غير أن العالم برمّته متورّط في ذلك، وبدأ يدق ناقوس الخطر من هذا الوحش الرقيق الشفاف الذي يحمل في طياته السم الزعاف.
وكذلك فإن التقرير الصادر عن مؤسسة (إلين ماك آرثر) يقول إن 165 مليون طن من البلاستيك تغزو المحيطات سنوياً - أي أنها أكثر من ثقل الهرم الأكبر 25 مرّة - وإذا استمر الحال كما هو إلى عام 2050، سيفوق عدد قطع البلاستيك أعداد الأسماك في المحيطات (!!).
وفي ذلك الوقت أكون قد اتكلت على الله - أي (نفقت) من مبطي - لهذا سوف أردد مع الشاعر وأقول:
إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر.