خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

سموأل العراق

عرف عن كثير من يهود العراق تغلغلهم في الفنون، ولا سيما فنون الموسيقى والغناء حتى خروجهم وهجرتهم من البلاد. انطبق ذلك على فنون الشعر والأدب. برز منهم أنور شاؤول ومير بصري وآخرون. لم ألتق بالأول ولكنني التقيت أياماً طويلة بمير بصري، سموأل العراق، خلال وجوده في لندن. حدثني كثيراً عن علاقته الحميمية مع الأديب والشاعر صبحي البصام. جمعتهما الأقدار وبمثل ما جمعتهما فرقتهما. جمعت بينهما علاقة وطيدة في السبعينات. ولكن البصام توارى عن أنظار صاحبه زمناً طويلاً دون سبب واضح. فبعث إليه مير بصري بقصيدة طويلة يستعلم فيها عن سر غيابه ويدعوه ثانية للوصال:
يا صديقنا غاب عنا زمناً
أبعيد أنت منا أم أنا؟
تلفن اليوم وزرنا إننا
هزنا الشوق إلى نيل المنى
شنف الأسماع بالشعر وقل
من نضيد النثر شيئا حسناً
إن روض الشعر أمسى قاحلا
فليطب زهراً وعطراً وجنى

وكعادة سائر العراقيين في هذه الأيام لم يستطع الشاعر غير أن يعرج على مأساة العراق فمضى ليقول:
قد ذكرنا في البعاد الوطنا
شاكياً في الحرب أسراً وضنى
وبكينا بدموع هطلت
بلداً قد ألبسوه الكفنا
وشباباً أبرياء ذبحوا
حرموا الدرس وعافوا المهنا
وشيوخاً ونساء قتلوا
وضحايا القصف دوى موهنا
طال ليل الهم، هل من سحر
مشرق بالنور في تلك الدنا
ولكم تلطم ثكلى صدرها
حزنها الساجي يثير الشجنا
خيم اليأس على أهل التقى
وغيوم الحرب تغشى المدنا
ليس من أمن ولا من مهرب
لأناس قد أذيقوا المحنا
ثملوا من دون خمر ومضوا
يمضغون الهم مراً عفنا
خلت الأسواق من أربابها
شحت الأرزاق ساء المجتنى
صرف المال على أسلحة
تزرع الموت فبئس المقتنى

مرت الأيام وتسلم مير بصري رسالة من صبحي البصام يفسر فيها غيابه بعواطف ومشاعر مرتبكة وإشارات إلى آلام وعوارض صحية غريبة، وختم رسالته بقصيدة منها هذان البيتان:
يا صديقاً يزهو بشعر رقيق
وبعلم ومجد عريق
كم أرجّي أزورك يوماً
ثم يعتاقني خوف الطريق

ينم الشطر الأخير من البيتين عن حالة من البارانويا أسرف الشاعر فيها بمشاعر الخوف من البشر وتآمرهم على إيذائه وملاحقته أينما ذهب.