د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

تسييس الجيش العراقي وأدلجته

في الوقت الذي يعلن فيه رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي انتهاء الحرب ضد الإرهاب والقضاء على «داعش» في العراق ويفكر جدياً في محاربة الفساد وإعادة إعمار العراق، برزت أزمة جديدة قد تغير مسار العراق الإصلاحي مستقبلاً؛ المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني قال إن الفصائل الشيعية المسلحة (الحشد الشعبي) التي شاركت في الحرب ضد «داعش» يجب أن تصبح جزءاً من الأجهزة الأمنية في العراق، ويتفق رئيس الوزراء العبادي مع موقف السيستاني الذي يريد الحيلولة دون أن يستخدم قادة قوات الحشد السلطة والنفوذ في انتخابات 2018. وتجدر الإشارة هنا إلى أن آية الله العظمى علي السيستاني هو الذي أصدر في 13 يونيو (حزيران) 2014 فتوى تشكيل قوات من متطوعين لمساعدة القوات العراقية الأمنية لدحر هجوم «داعش» الإرهابي.
هذه الخطوة التي يتفق عليها المراجع الدينية ورئيس الوزراء العراقي ستخلق مشكلات مستقبلية نلخصها في النقاط التالية:
أولاً: قبول قطاع كبير من الميليشيات الشيعية التي تشكل الحشد الشعبي الذي يقدر عدده بـ30 ألفاً ويتكون من 60 فصيلاً معظمهم من الشيعة، سيخلق أزمة قادمة مع مكونات الشعب العراقي الأخرى مثل السنة والأكراد والمسيحيين والآشوريين وغيرهم من الأقليات العراقية التي تشكل النسيج الاجتماعي العراقي، خصوصاً أن هناك عناصر في التنظيمات التابعة للحشد قد ارتكبت جرائم بشعة ضد السنة وغيرهم في المناطق التي تم تحريرها من «داعش».
ثانياً: سعى العراق ودول مجلس التعاون بشكل عام والسعودية بشكل خاص إلى تحسين العلاقات بين الطرفين، وتبادَل الطرفان الزيارات الرسمية وازدادت كمية التبادل التجاري... لكن ضم الحشد الشعبي للمؤسسة العسكرية (الجيش) قد يقلق دول المجلس، خصوصاً أن هادي العامري وقيس الخزعلي المقربين من إيران صرح أحدهما (الخزعلي) عن مدى تقربه لطهران، وأكد أن أعداء العراق هم إسرائيل ومن ثم الولايات المتحدة، ثم تطاول وادعى أن العدو الثالث هو السعودية، وبذلك تخالف تصريحاته المحاولات الحكومية العراقية الداعية للتقارب مع السعودية.
ثالثاً: الحشد الشعبي والحكومة العراقية تربطهما علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، فهي الدولة التي تسلح العراق وتساعده في محاولة إعادة الإعمار. وبينما دعا ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي الميليشيات المدعومة من إيران والخبراء الإيرانيين إلى مغادرة العراق بعد انتهاء المعارك ضد إرهاب «داعش»، رفضت قيادات في الحشد الشعبي المطالب الأميركية وأكدت أن الحشد يعمل مع السلطة وهو جزء من المؤسسة العسكرية. تجدر الإشارة هنا إلى أن إيران قد لعبت دوراً في تشكيل الكثير من فصائل الحشد ويرتبطون بعلاقات قوية مع فيلق القدس بالحرس الثوري وأعلن بعض قادتهم عن ولائهم لإيران ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي.
رابعاً: تردي الأوضاع الاقتصادية في إيران جعلها تعتمد اعتماداً شبه كلي على مساعدة حلفائهم في الأحزاب والميليشيات الشيعية في العراق، فالعراق هو الذي يزود إيران بكل ما يحتاجه من بضائع غربية بسبب المقاطعة الاقتصادية الأميركية على إيران.
خامساً: تعدد واختلاف الميليشيات الشيعية التي تشكل الحشد الشعبي قد يخلقان خلافات فيما بينهم، خصوصاً أن بعض الميليشيات قد تشكلت في إيران مثل منظمة بدر التي تشكلت في طهران عام 1982 ويقودها النائب الحالي والوزير السابق هادي العامري... هذا التنظيم يختلف عن «سرايا السلام»، وهو الجناح العسكري للمرجع الديني مقتدى الصدر. هذا التنظيم في الأساس هو جيش المهدي... وقد حله الزعيم مقتدى الصدر عام 2007.
ما نريد قوله إن الحشد الشعبي الذي سيتم ضمه للجيش العراقي يتكون من 30 ألف فرد ينضمون لأكثر من 60 فصيلاً أو ميليشيات شيعية أهمها منظمة بدر وسرايا السلام وكتائب حزب الله العراقي - عصائب أهل الحق وحزب الله النجباء - وسرايا الجهاد والبناء وسرايا الخرساني وكتائب التيار الرسالي... كل هذه الميليشيات تابعة لسياسيين ورجال دين عراقيين قد شاركوا في حروب طاحنة ضد الثوار في سوريا ودعماً لنظام بشار الأسد.
ما نتخوف منه فعلاً في الخليج هو أن انضمام هذه الفصائل للجيش العراقي سيؤدي إلى تسييس الجيش وعسكرة المجتمع العراقي.