إميل أمين
كاتب مصري
TT

2018... عتبات العالم الإنتروبي

ساعات قلائل ويسلمنا عام إلى آخر، وكم توالى الليل بعد النهار، وجيل يمضي وجيل يأتي والأرض باقية، ولعلها لحظة تأمل عن حال ومآل العالم في العام المقبل.
هل يمكن لنا أن نصف أحوال البسيطة بأنها ضرب من ضروب «الإنتروبية» التي يدركها علماء الفيزياء والكيمياء؟
باختصار غير مخل، المصطلح ENTROPY مأخوذ من الأصل اليوناني الذي يعني «التحول»، غير أنه يلفت إلى مقدار الاضطراب في النظام أو حالة الفوضى والعشوائية، التي غالباً ما تحدث داخل الذرة.
يكاد عالمنا، ومن أسف أيضاً، يقترب من حالة الـCHAOS بمعناها ومبناها اللاتيني الكلاسيكي، حيث روح النظام غائبة، واحتمالات المواجهات والصدامات أقرب من حبل الوريد.
يغادرنا 2017 والقوة الكبرى حول العالم تعيش حالة غير مسبوقة من الشقاقات والفراقات، وتغيب عن أميركا روح الحلم، ذاك الذي غازل العقول والأفئدة منذ 1917 حينما دلفت إلى الحرب العالمية الأولى، وها هي بعد مائة عام وحيدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلا من حفنة من أشباه الدول.
لا يختلف وضع روسيا كثيراً، فالقيصر انتصر في الحرب، لكن الروس يتساءلون هل يدفع الداخل الثمن من جديد؟ وإلى متى يمكن للمغامرات العسكرية الروسية أن تمضي دون خوف من لحظة أدمغة ساخنة في البلطيق أو سوريا ونواحيها، تنفجر فيها ترسانة صواريخ روسية قد تبز ما لدى الأميركيين.
بهدوء شديد يليق بأحفاد كونفوشيوس وقراء بل وحفّاظ صن تزو واستراتيجاتيه، يمضي الصينيون حول العالم دون ضجة أو صخب، يلتفون حول العالم عبر طريق الحرير ليخصموا من أرصدة واشنطن وموسكو معاً، وفيما هم يفعلون تتعاظم حظوظ قطبيتهم متسلحين بالردع النقدي تارة، وبالنووي تارة أخرى.
إنتروبية غير مسبوقة، أدركتها بعض الدول وتسعى غيرها لتقليدها، انظر إلى كوريا الشمالية وخبرنا عن التردد الأميركي في حسم المشهد... إنهم يدركون فداحة بوابات جهنم التي يمكن أن تصيبهم من جراء صواريخ الفتى الأغر.
المقلدون في الجوار، وما بين طهران وبيونغ يانغ شراكة جوهرية في صناعة الصواريخ، والدليل صواريخ الحوثي إيرانية الصنع التي أطلقت على السعودية الأشهر الماضية، ومع ذلك يبدو أن الفوضى الحادثة في واشنطن تكاد تجعل موقفها من إرهاب إيران الصاروخي حديثاً مؤجلاً إلى ساعة أخرى.
ينصرم العام وأوروبا الإنتروبية قوة تتراجع إلى الوراء، ها هي بريطانيا، أحد أعمدة الخيمة الأوروبية، تنسحب من الاتحاد، فيما الكارثة الحقيقية المحدقة بأوروبا تتمثل في اليمين القومي المتطرف، ذاك الذي يخطو خطوات واسعة واثقة نحو الهيمنة على أوروبا، فقد شغل 92 عضواً من «حزب البديل من أجل ألمانيا» مقاعد في برلمانها، ومن بعدها النمسا التي اكتسح فيها اليمين مؤخراً بقوة، وهولندا والتشيك، ثم فرنسا وإيطاليا تالياً.
إنتروبية قاتلة تعني نهاية أزمنة التنوير وعصور التلاقي الإنساني لصالح مفاهيم خيّل إلينا أن الزمن الأوروبي خلفها وراءه، كالعنصرية العرقية والتزمت الديني والإيماني.
ماذا عن أمة العرب؟
الجواب يحتاج إلى مقالات قائمة بذاتها لا مقال أو بضعة سطور، سيما أن هناك جروحاً ثخينة لا تزال في الجسد العربي خلفتها أعوام مكذوبة أطلق عليها «الربيع العربي».
لكن أيضاً ومن حسن الطالع تبدو في المحيا بعض علامات تدعونا للأمل في تجاوز «الفوضى غير الخلاقة» التي زرعها الكارهون لتموت الحنطة مع الزؤان، إلا ما رحم ربك.
القضاء على «داعش» عسكرياً في العراق وسوريا، فسحة أمل، وإن احتاج عملاً كبيراً ومستمراً، فالإرهاب أفكار تطير وليس تنظيماً لوجيستياً يمكن تتبعه.
تدخل المملكة العربية السعودية العام الجديد بآمال وطموحات عريضات لبلورة رؤى إنسانية لدولة فتية شابة، وقيادة منعتقة من أسر الماضي، ودون صدام بين الحداثة والأصالة، بل مزيج فريد يعكس جوهر الدولة، في تجربة حري بها أن تقوي من ظهر العالم العربي وتقيه طعنات الغدر.. تجربة تصحيحية وتحريرية للعقل والفؤاد، تعكس رحابة الإيمان وعمق الاعتقاد في الإنسان، بعيداً عن الغلو والتطرف.
يهل العام الجديد على مصر، أم الصابرين، أرض الكنانة، وهي تخوض حرباً ضروساً ضد الإرهاب الأسود الذي تحركه الأيادي الكارهة لصحوة مصر، وفيما يقف المصريون كالبنيان المرصوص حتى آخر نقطة دم مصري دفاعاً عن كل ذرة رمل في سيناء والوادي، تنفجر ينابيع الغمر العظيم بمنح ربانية من الغاز والنفط، ما يمكن لها أن تضحى فاعلاً رئيسياً في سوق الطاقة العالمية بحلول عام 2020، والسؤال... هل ستسلم مصر من المؤامرات السوداء الرابضة خلف الباب كما التقليد تاريخياً؟
على أن أوضاعاً كثيرة في سوريا والعراق، في اليمن وليبيا والسودان والصومال، تبقى تحولات الإنتروبيا فيها ضاربة جذورها في العمق، وفي حاجة إلى أطباء نطاسيين يشك المرء في وجود بقية باقية منهم.
هل هي رؤية متشائمة؟ يتمنى المرء أن يكون مخطئاً، غير أنه لا يُجنى من الشوك عنب أو يُنتظر من الحسك تين.