خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

شرايين البازار الإيراني

الإيرانيون قوم مولعون بالتجارة والكسب. لسوء حظهم، ليست لبلادهم منافذ بحرية لائقة تفي بهذا الغرض. فالبازار في الشمال وسواحلهم في الجنوب على الخليج العربي غير صالحة للملاحة. أصبح الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط حلمهم الدائم. وياما وياما تطاحنت الدول الكبرى للسيطرة على هذا البحر. وكانت إيران في الطليعة. دخلت في حروب ضارية ضد الإغريق ثم الرومان والبيزنطيين والعرب والعثمانيين للحصول على موطئ قدم لها على ساحل هذا البحر. كان الإيرانيون سُنّة وتشيّعوا من أجل هذا الغرض. وها هم قد زجّوا بأنفسهم أخيراً في المنازعات العراقية والسورية واللبنانية من أجل نفس الغرض.
صرحوا مؤخراً بأنهم سيبقون في سوريا والعراق، وهو الشريان الأساسي للوصول إلى سواحل البحر المتوسط. ولعل بعض قراء هذا العمود يتذكرون ما قلته في هذا الصدد. سيجرّهم ذلك إلى نزاع مع إسرائيل. والمثل العراقي يقول لا يمكن لديكين أن يتعايشا فوق نفس المزبلة. وبالفعل صرحت إسرائيل بأنها ستضربهم إذا أقاموا قواعد في سوريا.
جزء من مشكلات إيران مع العالم العربي هو سعيها لمد هذا الشريان من بازار طهران إلى شواطئ بيروت.
الخط الآخر لهذا النزاع هو أيضاً خط تاريخي جيوسياسي. فالمعروف أن إيران استعمرت اليمن في أيام الجاهلية. وها هي تعيد كتابة التاريخ. إنه شريان البازار لأسواق شرق أفريقيا والسيطرة على البحر العربي.
لا يملك الزائر لبغداد في هذه الأيام غير أن يشعر بالدهشة لمشهد البضائع الإيرانية التي تفيض في أسواق العراق. حتى سيارات التاكسي جاءت من صنع إيران.
ولكن أُضيفَ في أيامنا هذه عامل جديد لهذه المعادلة التجارية الجيوسياسية، ألا وهو النفط. معظم المنازعات التي شهدناها في عصرنا هذا وعالمنا العربي هذا يعود للسيطرة على منابع النفط. المعركة على الكعكة‍! ما إن نجح قاسم سليماني في تحرير حقول كركوك من يد الكرد في الأيام الأخيرة حتى بدأت الشاحنات الإيرانية بنقل هذا النفط إلى مصافي إيران، وأُذيع أنه سيمتد خط الأنابيب عبر إيران إلى المصافي الإيرانية في الجنوب.
بيد أن نفط كركوك ونفط كردستان لا يعد بشيء حيال نفط وغاز الخليج الذي لا يبعد غير مسافة قليلة من تجار البازار الإيراني. لا بد أن هذه الثروة راحت تدغدغ بلاعيمهم الآن وتجعلهم يفركون أياديهم انتظاراً وشوقاً. بضع مئات أو بضعة ألوف من القتلى والجرحى يسقطون على حافة الطريق لا يعدون شيئاً أمام ذلك المطمح.
وهذا ما أقوله. دعك مما يقوله المعلقون، ولا سيما ما تسمعه من المصادر الإيرانية، وافتح الأطلس وانظر إلى خريطة الشرق الأوسط. الخريطة تأتيك بالخبر اليقين.