فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

مشكلة «سوتشي»!

يبدو أن مؤتمر سوتشي الذي تنوي روسيا عقده أواخر يناير (كانون الثاني) الحالي للبحث في القضية السورية، ودفعها على طريق الحل السياسي في مشكلة كبيرة، أحد أبرز مؤشراتها رفض سوري واسع لحضور المؤتمر، أهمه ما صدر عن قوى المعارضة السياسية والعسكرية ومن شخصيات سورية مستقلة. وإذا استمر رفض حضور سوتشي - الذي ينتظر أن يتصاعد - فإن ذلك سيؤدي إلى عدم عقد المؤتمر، وإلى فشله فيما إذا أصر الروس على عقده، وهذا المصير في احتماليه إنما هو تكرار لمبادرات روسية سابقة على نحو ما صار إليه مؤتمر حميميم الذي سبق للروس الدعوة إليه، لكنه لم يعقد، ومثل آستانة الذي عقد عدة دورات دون أن تتمخض عنه نتائج جدية في سير القضية السورية نحو حل مقبول.
أساس الرفض السوري لحضور «سوتشي»، يكمن في إصرار الروس وتأكيدهم على إخراج موضوع وجود الأسد على رأس النظام من جدول أعمال المؤتمر، بمعنى أن الحاضرين فيه يوافقون على استمرار الأسد في السلطة، وهذه تشكل معضلة كبيرة، يصعب على السوريين الذين اكتووا بنيران وجود الأسد في السلطة وما ارتكبه من جرائم ابتلاعها بقبول بقائه في موقعه وعدم محاسبته وفريقه عن وصول سوريا والسوريين إلى الكارثة الراهنة.
وإن كان السبب السابق وحده كافياً لرفض حضور «سوتشي»، فإن ثمة أسباباً أخرى للرفض، بينها أنه لا جدول أعمال للمؤتمر سوى شعار عريض يمكن أن يكون بلا معنى وهو الحوار السوري – السوري، خاصة أن السوريين جربوا على مدار نحو سبع سنوات كل أنواع ومستويات الحوار وأشكاله دون أن يصلوا مع نظام الأسد إلى نتيجة، لا بسبب رفضه للحوار فقط، وإنما بإصراره على الحل الأمني – العسكري باعتباره طريقة وحيدة لإعادة السوريين إلى حظيرة النظام، وهو ما اشتغل عليه حليفا النظام الأساسيان ولا سيما روسيا بوسائل وأشكال، تفوقت على ما قام به النظام.
وثمة سبب آخر في رفض حضور «سوتشي» من جانب المعارضة، يكمن في سياسة الإغراق العددي، حيث من المقدر أن توجه دعوات إلى نحو ألف وسبعمائة شخصية لحضور المؤتمر، ووسط هذا الرقم لن يكون للمعارضة وجود عددي مناسب، يعكس وزنها الحقيقي لا بشرياً ولا سياسياً، إضافة إلى أن من السهل على الروس تمرير أي بيان أو وثيقة باسم المؤتمر وسط هذا العدد وفي فترة يومين هي مدة المؤتمر، لن تكون كافية ليسلم أعضاء المؤتمر على بعضهم بعضاً، ولا أن يناقشوا وضعهم الكارثي وكيفية الخروج منه، لو أرادوا وكانت هناك إمكانية لذلك.
ولعله لا يحتاج إلى تأكيد، أن ثمة سبباً عميقاً للرفض السوري لمؤتمر «سوتشي»، أساسه موقف روسيا وسياساتها وممارساتها في القضية السورية. وربما كان من الممكن أن يتناسى السوريون تأييد موسكو للنظام في بداية الثورة، وأن يتجاهلوا استمرار دعمه بالأسلحة والمعدات والذخائر تحت الذريعة الروسية، بأنها في إطار الالتزامات المسبقة بين الطرفين، لكنه كان وما زال من الصعب تجاهل الموقف الروسي في المستوى الدولي وخاصة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، حيث استخدم الروس في الأخير الفيتو إحدى عشرة مرة لمنع إصدار قرارات تدين النظام وتوقف جرائمه، وتسمح بمحاسبته عليها، ثم أضافوا مع أواخر العام 2015 تدخلهم العسكري الكثيف والعنيف الذي لم يوقف عملية إسقاط النظام وقد كانت تمضي حثيثاً، وإنما غيّر خريطة الصراع في سوريا، وأعطى النظام فرصة للتمدد تحت القبة الروسية.
وسط تلك المعطيات، بدا من الطبيعي، أن يصطدم «سوتشي» برفض سوري وخاصة من جانب المعارضة. ولو كان الروس راغبين فعلاً في إنجاح «سوتشي»، كان عليهم أن يجعلوه نقطة تحول في سياساتهم، أو مؤشراً لتعديل ممكن في هذه السياسة في الحد الأدنى في إعلان إلزامهم بشعارات رفعوها وتشدقوا طويلاً بها وأبرزها أن الحل في سوريا ينبغي أن يكون سورياً، لكنهم وبالإصرار على بقاء الأسد غصباً عن أكثرية السوريين، إنما كانوا يضعون «سوتشي» أمام واحد من خيارين؛ عدم الانعقاد، أو الفشل في الوصول إلى نتائج، إذا تم عقده، وهي المشكلة الأساسية في «سوتشي».