مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

التسول فنون وجنون

هناك مقولة مشهورة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، جاء فيها: (لو أن الفقر رجل لقتلته)، وتلك المقولة هي من أروع وأعمق وأخلد ما قيل.
والفقر هو الشر المستطير الذي لازم كل العصور من عهد آدم، إلى عام 2018، وسوف يستمر إلى ما شاء الله، أو إلى أن يرث الله الأرض وما عليها من أغنياء وفقراء و(صيعّيه).
لهذا يهاجر الفقراء من بلد إلى بلد للبحث عن لقمة عيشهم، وقد تبتلعهم أمواج البحار قبل أن يصلوا إلى مبتغاهم، بل وقد يتعرضون للسخرة والعبودية والضرب والتعذيب، وفوق ذلك قد يموتون من الجوع دون أن يسد رمقهم حتى خشاش الأرض.
غير أن بعضهم اضطروا لأن يمتهنوا مهنة هي أقدم المهن على الأرض، ألا وهي مهنة التسول، وهي من أسهل المهن لمن (ضرب الدنيا بصرمة)، ومن أصعبها لمن قد يقتل نفسه ولا يريق ماء وجهه.
وبعضهم قد حققوا أرباحاً وجنوا أموالاً، وإليكم بعض النماذج:
نشرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية صوراً لمتسول وهو يخرج من منزله في التاسعة من صباح كل يوم ليعود إلى منزله الفاخر بعد ثماني ساعات عمل وهو جالس على الرصيف وقد حصل على إيراد يومي من التسول يبلغ 500 دولار، أي ما يعادل 180 ألف دولار سنوياً - انتهى.
اكتشف مسؤول بإحدى شركات الوساطة في الأوراق المالية بالبورصة المصرية أن أحد العملاء لدى شركته يعمل متسولاً في الشارع، ويقوم بعمليات إيداع أسبوعية تصل إلى 10 آلاف جنيه، حتى وصل حجم محفظته التي يستثمرها في البورصة إلى 400 ألف جنيه في عام واحد - انتهى.
غير أن هناك متسولين (First Class): حيث ألقت شرطة دبي القبض على 70 متسولاً، في إطار حملة «معاً لمكافحة التسول»، وكان من بينهم متسولون يقيمون في فنادق خمس نجوم، ودخلوا إلى الإمارات بتأشيرة رجال أعمال - انتهى.
أما الذي لا يستحي ولا يسلم من النجاسة، فهو متشرد أميركي تقدم يشحذ من رجل مسن جالس في سيارته، وعندما نهره الرجل ورفض أن يعطيه شيئاً، ما كان من المتسول إلا أن يسكب عليه مادة سريعة الاشتعال، ويموت المسكين وهو داخل سيارته.
ومن وجهة نظري فإن أعظم المتسولين هو البريطاني ألبرت غريف، الذي ظل طوال حياته أعزب ينام تحت الكباري، وعندما توفي وهو على مشارف التسعين من عمره، وجدوا لديه 160 ألف جنيه، ووصية يتبرع بها كلها للحكومة دعماً منه للمجهود الحربي، وكان ذلك إبان الحرب العالمية الثانية، فما كان من الحكومة إلا أن تمنحه وسام الشرف.