مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

السادات... الرائد الذي صدق قومه

هناك شخصيات يحتاج تاريخ الذاكرة الجماعية لسنوات وعقود، وربما قرن من الزمان، حتى يُعاد الاعتبار والتقدير لها.
من هؤلاء، بل في مقدمتهم، في سياقنا العربي، الرئيس المصري العبقري الشجاع، أنور السادات، الذي قتله غلاة مصريون، يشبهون غلاة اليوم، مثل أيمن الظواهري وحسن نصر الله، في يوم الاحتفال بنصر مصر 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1981.
السادات عانى حيّا وميتا، من فجور الخصوم، في تلطيخ صورته، وتشويه سيرته، ليس فقط ورثة عمر عبد الرحمن ومصطفى مشهور وغيرهم من رموز الظلام، بل ممن كانوا لوقت يعملون مع السادات أولهم «الأستاذ» محمد حسنين هيكل، الذي كتب أشياء مخجلة عن الرجل، خاصة في كتابه (خريف الغضب).
يروق لي من وقت لآخر، التفتيش عن كلمات وخطب السادات السياسية والتاريخية أيضا، مثل حواراته الشهيرة مع (همّت مصطفى) ففوق الفائدة من بصيرة الرجل السياسية النافذة لسجف المستقبل، أستمتع بموهبته الخطابية وسلاسة حديثه بنكهة الفلاح، وروح «العيلة» المصرية.
خطابه الأهم، بنظري، هو «خطاب الوداع» للسادات، خطاب مجلس الشعب سبتمبر (أيلول) من عام 1981 قبل اغتياله بقليل، في 6 أكتوبر من العام نفسه.
خطاب يستحق التأمل فيه كاملاً، وهو يسرد مرافعة سياسية تاريخية عن سياسته التي أغضبت منه الشبكة الخمينية والإخوانية واليسارية والقومية.
يستعيد الناس هذه الأيام كلامه المبكر عن مخاطر الخمينية، يوم كان مثقفون «تقدميون»، عرب وفرنجة، يكيلون المديح الصوفي «للثورة» الخمينية!
السادات أعلن أن إيران - التي كان الخميني وبقية الغلاة من دراويشه قد سلبوا عرشها بنحو سنتين قبل خطاب فبراير (شباط) 1979 - تستورد ثلث غذائها من إسرائيل رغم أنها قطعت علاقاتها مع مصر، بسبب توقيع القاهرة لمعاهدة السلام.
وقال السادات إن الخميني تسلّم إيران وهي تنتج يوميا 6.5 مليون برميل يومياً، لديها ثروات كبيرة ويدخل الخزينة الإيرانية 250 مليون دولار من البترول يوميا، ورغم ذلك وخلال عامين من حكم الخميني، جاعت إيران ويحصل الإيرانيون على الوقود بالبطاقات الشخصية.
السادات وضع يده على عيب بنيوي مبكر في سلوك السياسة الخمينية، التي استمرت إلى اليوم في الشعارات الزاعقة عن إسرائيل وأميركا، والسياسات الواقعية النفعية تحت طاولة الشعارات، كما استشهد السادات، بما ذكرته الصحف العالمية، عن تورط إيران في شراء صفقة سلاح ضخمة من إسرائيل، رغم أن نظام الخميني ينتقد مصر، ويقطع علاقاته معها لتوقيعها اتفاقية سلام مع إسرائيل. ولاحقا طبعاً حدثت فضيحة إيران كونترا الشهيرة 1985.
رحم الله السادات، ولا عفا عن مروجي المخدرات السياسية في الوعي العربي العام!

[email protected]