إيلي ليك
TT

تحدي السلطات الحاكمة في إيران

يحاول سيد محمد حسيني أن يحوّل نفسه إلى ناشط ثوري غير محتمل. كانت آخر مرة شوهد فيها في إيران عام 2011، ولقد كان من الشخصيات الإعلامية المغمورة، ومضيفاً لبرنامج ألعاب هزلية يحمل اسم «سيمورغ»، ذلك الذي يطلب فيه من الحضور القيام بأعمال مثيرة للسخرية والضحك بهدف الحصول على جوائز.
واليوم، هو يعيش في الولايات المتحدة ويحضّ المواطنين الإيرانيين على حرق المباني والمؤسسات التابعة للباسيج في إيران.
ومنذ مارس (آذار) بالعام الماضي، كان حسيني يعمل على بث مختلف الرسائل إلى الشعب الإيراني عبر تطبيقات «تليغرام»، و«إنستغرام»، وغيرهما من منصات التواصل الاجتماعي التي تحضهم على «#restartIran»، وهو الوسم الجديد ومسمى الحركة التي يأمل في أن تحظى بالدعم من جانب الحكومة الأميركية.
ولقد أخبرني بنفسه قائلاً: «لقد بدأنا الأمر باحتجاج ملون. لقد طلبنا من الناس رش الألوان على جدران المباني التي تتبع قوات الباسيج الإيرانية». (وقوات الباسيج هي الميليشيات الحكومية المسلحة التي نشرتها الحكومة في إيران لإرهاب المحتجين والمتظاهرين، والمحافظة على النظام العام خلال الاحتجاجات الأخيرة في البلاد). وبعد ذلك، قال حسيني إنهم انتقلوا إلى حض المواطنين الإيرانيين على رشق نوافذ المباني الحكومية بالحجارة.
وحسيني، بأي حال من الأحوال، ليس من زعماء الاحتجاجات الحالية في إيران. إذ لا يبدو أن هناك صلة تربط حملته بالأحداث الجارية في البلاد. غير أنه عنصر من العناصر المهمة في الاضطرابات. فهناك تيار خفي من العنف في الاحتجاجات الحالية؛ وهو الأمر الذي كان مفقوداً في احتجاجات عام 2009 السابقة التي اندلعت في أعقاب الانتخابات الرئاسية المسروقة آنذاك. وهو أحد الأسباب التي دفعت الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الدعوة لملاحقة القائمين على تدمير وتخريب الممتلكات العامة.
ولقد أخبرني بوتكين أزارمهر، المذيع الإيراني الذي يقيم في لندن، والذي كان يمعن البحث عبر مقاطع الفيديو المصورة بالهواتف المحمولة، أنه استطاع حصد ما لا يقل عن 20 مقطعاً مرئياً تصور عمليات العمليات التي قام بها المتظاهرون باستخدام وسم «#restartIran» منذ الخريف الماضي. وقال لي: «أنا لا أدعي أن الاحتجاجات لها علاقة مباشرة بحملة (إيران الجديدة). إنهم ليسوا سوى جزء صغير منها. لكن وقوع 20 حادثة خلال 3 شهور تستلزم وجود صلة ما. مثل هذه الحملة تحظى برد فعل حقيقي، وأن الشعب الإيراني بدأ يجترئ على ما كان يخشاه من قبل».
كما أثارت حملة حسيني القلق لدى إدارة تطبيق «تليغرام»، وهو تطبيق الرسائل ذات النطاق الترددي المنخفض الذي يستخدمه الملايين من المواطنين الإيرانيين. ولقد حظرت الحكومة الإيرانية مؤخراً استخدام هذا التطبيق في البلاد. كما أغلقت الشركة المنتجة للتطبيق حساب حسيني الأول وكان باسم «showman1» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ومن ثم انتقل إلى استخدام حسابات مناظرة أخرى على التطبيق نفسه. وفي مقال نُشر بتاريخ 29 أكتوبر عام 2017، قال بافيل ديوروف، مؤسس شركة «تليغرام»: إن حساب حسيني على التطبيق كان أحد الأمثلة على «الخط الذي لا ينبغي على المرء تجاوزه». وقال أيضاً: إن الحساب «شرع في حض أعضاء المجموعة على رشق نوافذ المباني الحكومية والمركبات بالحجارة (المدارس، ودور العبادة، والحافلات) وتصوير ذلك بالهواتف الجوالة». ولقد طلبت شركة «تليغرام» من حسيني وقف هذه «المسابقات العدائية»، غير أنه تجاهل هذا الطلب تماماً، وأطلق منافسة أخرى تدعو متابعيه، الذين بلغوا 100 ألف متابع على التطبيق، إلى المضي في احتجاجاتهم. ونتيجة لذلك؛ كما يقول مؤسس الشركة، لم يكن أمامهم من خيار سوى حجب حسابه من على التطبيق تماماً.
من المفهوم لدينا الأسباب التي تدفع بعض المواطنين الإيرانيين وأنصارهم في الغرب إلى الاندفاع وراء حركة «#restartIran» التي يتزعمها حسيني. إذ إن النظام الإيراني يستخدم العنف ضد الطلاب، والنشطاء، والأقليات، وزعماء العمال، وأي شخص آخر يتحدى النخبة الفاشية الدينية الحاكمة للبلاد. فلماذا لا تتعامل المقاومة مع النظام بالمثل؟ لكن في هذه المرحلة من الأحداث، قد يكون ذلك من قبيل الأخطاء الاستراتيجية القاتلة.
يملك النظام الحاكم في إيران المزيد من الأسلحة والعتاد بأكثر مما في أيدي الناس. وأفضل احتمالات الاحتجاجات الجارية تتأتى من خلال العصيان المدني غير العنيف. وينبغي أن يكون هدف المظاهرات الإيرانية الحالية بناء تحالف محلي كبير بقدر الإمكان. فإذا شعر الناس العاديون بالخوف والرهبة من جانب المتظاهرين، فلن يشعروا بالقدر الكافي من الأمان الذي يحفزهم على الانضمام إلى معارضة النظام المستبد. ويجب على المعارضة خلق مساحة كافية يشعر فيها ضباط الشرطة النظاميون بالتمكين والسلامة إذا ما صدرت الأوامر بتفريق المظاهرات واعتقال النشطاء.
وللمقاومة غير العنيفة سجل أفضل بكثير في إسقاط الحكام المستبدين في العالم الحديث. ويصح القول إن الحروب الكبيرة بين الدول قد سحقت الأنظمة المستبدة في ألمانيا النازية واليابان الفاشية. لكن الشعب الإيراني اليوم لا يطالب بالغزو الخارجي لبلاده. ومن أبرز الأمثلة لإيران تلك الانتفاضة التي تمخضت عن إسقاط نظام سلوبودان ميلوسوفياتش في صربيا ونظام إدوارد شيفرنادزه في جورجيا. ولقد نجحت هذه الحملات بسبب أن أتباع الزعيم المستبد، في خاتمة المطاف، لم يستخدموا إراقة الدماء للحفاظ على كرسي الحاكم.
بيد أن حسيني لا تعجبه هذه الحجج. ولقد أخبرني بأن الشعب الإيراني يريد الثورة بأي وسيلة كانت. وأن هدفه التالي هو محاولة الالتقاء بالرئيس دونالد ترمب. وقال: «إنني معجب بالرئيس ترمب. لقد كان من أبرز نجوم التلفزيون. وإنني نجم تلفزيوني أيضاً. إننا على الخط نفسه والمسار نفسه!»
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»