سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

الثورة ضد «المخلص»

قبل خمسة عشر عاماً أجريت لقاء تلفزيونياً مع شاب بحريني من مؤيدي الثورة الإيرانية إبان فترة التقارب مع إيران في زمن خاتمي. كان الحديث وقتها عن إيران أريحياً نظراً لما أبداه خاتمي من رغبة في فتح صفحة جديدة، وردا على سؤال وجهته له «ما الذي أعجبك في الثورة الإيرانية»؟ قال الشاب «إنها شكلت له إمكانية تحقيق الحلم بالعدالة الاجتماعية ورفع الظلم عن الفقراء والمسحوقين، والأهم أن فكرة جمع القيادة الدينية والسياسية هي فكرة ممكنة وقابلة للتحقق على أرض الواقع المعاصر تماماً كالروايات التاريخية صلاح الدين وأمثاله»!
وهذا حلم العديد من شبابنا المسلم الذي ينتظر إماماً أو ولياً أو قائداً عسكرياً له صبغة دينية كصلاح الدين لينقذهم وينقذ الأمة الإسلامية ويعم الخير على يده والعدالة تتحقق بسيفه.
لا نلوم الشاب على أفكاره الرومانسية المشروعة، فقد غذي الوعي والإدراك عند شبابنا بالصورة الملائكية التاريخية للمجتمعات العربية والإسلامية تحت حكم الدولة ذات الشعارات الدينية صفوية كانت أو عثمانية، إذ صورت له تلك المجتمعات على أنها كانت خالية من (الآه)؛ لا معاناة ولا ظلم ولا فقر ولا فسق ولا فجور، بل حياة مثالية مليئة بالبطولات وبالقصص التي تنتهي بحكمة ينام عليها الشباب منتظرين المخلص الموعود.
تسلم الخميني القيادة عام 1979 وهو يمثل صورة من صور المخلص المطلوبة (فقيه وسياسي وقائد للقوات المسلحة) أي تتمثل فيه كل المواصفات المطلوبة لتغيير الواقع الإسلامي. تسلم الخميني الحكم ودخلُ إيران اليومي 250 مليون دولار، حيث كانت تبيع 6.5 مليون برميل يوميا، هذا الدخل بإمكانه أن يجعل الإيرانيين من أغنى شعوب العالم، ولكن الذي حدث عكس ذلك!
بعد عامين فقط تورطت إيران في الحرب العراقية الإيرانية مما تسبب بخفض إنتاجها إلى الثلث وخفض سعر البرميل من 35 دولاراً إلى 31 دولاراً.
استمرت الحرب ثماني سنوات استنزفت الكثير من الدخل القومي الإيراني وجاء ذلك على حساب رفاهية الإيرانيين الحالمين - مثل صديقنا البحريني - بالعدالة الاجتماعية، وما أن انتهت إيران من الحرب حتى دخلت في سباق للتسلح وخاصة النووي مما قاد إيران لعقوبات اقتصادية استمرت اثني عشر عاماً، وتلك كانت فترة عصيبة على الإيرانيين خنقتهم اقتصادياً حتى احتفلوا بنهايتها العام الماضي وظنوا أن المعاناة انتهت وأن نظامها سيلتفت لتحقيق أمانيهم.
مغامرة تلو الأخرى يدخلها هذا النظام جميعها تهدف للهيمنة والسيطرة والتمدد الخارجي وبالقوة العسكرية؛ إذ ورط النظام الإيراني نفسه بتأسيس جيش (عربي) تمويلاً وتسليحاً وتدريباً على امتداد أكثر من أربع عواصم عربية يصرف على محاربيهم وأسرهم ويصرف على جيش آخر من الشبكات الحقوقية التي توفر المظلة القانونية لنشاط جيشه العربي، مغامرة تلو الأخرى تباعد بين الإيراني وحلمه وبين الصورة الرومانسية للنعيم الذي سيعيشه (المؤمنون) من الإيرانيين ومن العرب المؤمنين تحت ظل الإمام الفقيه، فأهدر هذا الفقيه الكثير مما تجنيه إيران من ثرواتها ومن أخماسها على أي شيء عدا العدالة والرفاهية.
استفادت طبقة المعممين وطبقة العسكريين من هذه المغامرات، أما الشعب الإيراني فلم تزده مغامرات نظامه إلا فقراً وتعاسة.
إذ كشف وزير الداخلية الإيراني، عبد الرضا رحماني، أن نسبة البطالة في بعض المدن وصلت إلى 60%، وهو ما وصفه بـ«الرقم غير المسبوق» نظراً لما يسبّبه من أضرار اجتماعية، وشعور بالخوف، والطلاق والتفككات الأسرية، واللجوء إلى أعمال غير مشروعة. والمخيف بشكل خاصّ هو أن هذه النسبة لا تتعلق فقط بحمَلة البكالوريوس، بل تضم إليها حمَلة الدكتوراه من مختلف التخصصات، والبالغ عددهم قرابة 50 ألف عاطل، كما يضاف إليهم سنويّاً قرابة 30 ألفاً بشكل متتابع.
هذه الكارثة - أي البطالة - وصفها الاقتصادي الإيراني، فرامرز توفيقي، بموجة التسونامي التي اجتاحت سوق العمل، إذ قال عبر وكالة «فارس»: «هناك موجة تسونامي للبطالة في إيران، فوفقاً لمركز الإحصاء الإيراني، يبلغ عدد العاملين في إيران 22 مليون شخص من أصل 78 مليون نسمة، وهذا يعني أن نسبة العاملين إلى عدد السكان لا تتجاوز 27%، وهو ما يعني أيضاً أن كلّ شخص يعمل يقابله 3 أشخاص لا يعملون».
لا تقف إيران عند هذه الإشكاليات المؤلمة، بل يأخذ المجتمع طريقاً موحشاً تجاه الفقر، فرغم ثراء البلاد يقبع قرابة 40 مليوناً تحت خط الفقر، من إجمالي التعداد السكّاني الذي يبلغ 79 مليوناً، وهذا ما يؤكده برويز فتاح رئيس هيئة الإغاثة في إيران في تصريح له نشرته صحيفة «أفكار» الإصلاحية من تقرير نشره مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية في 30 ديسمبر (كانون الأول).
ختاماً كم من متسلق صعد على أكتاف جهلنا وقلة وعينا وإدراكنا وعجزنا عن الفهم والسؤال، سيذهب خميني ويأتي غيره ويذهب إردوغان وسيأتي غيره وما لم نعود شبابنا على التفكير ونصفي تاريخنا من الوهم والسراب فإننا سنظل عرضة للاستغلال وكتفاً هابطاً قابلاً لحمل المغامر تلو الآخر.