مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

إلى مشعل السديري

ليس هناك من كلمات تصل لفصاحة الفقد وبلاغة الوجد المتولد من رحيل الأحبة.. خلاصة الأحبة.
في هذا المكان وبهذا الموعد لم يعتد قراء هذه الزاوية غياب الكاتب المتفرد، صاحب اللون الغني في تموجاته، الفريد في ميزته، المدهش في لوحاته الغضّة، لم يعتد زوّار هذه الزاوية غياب أو اعتذار صاحبها، مشعل السديري.
لكن سبب الاعتذار المؤقت لا يعلوه سبب، وهل من سبب أكثر من رحيل من نحب؟
لقد فقد الأستاذ الكبير، صاحب المشوار الحافل في ميدان الصحافة، والرجل الكبير بخلقه وبشاشته، قبل أن يكون كبيراً بثقافته أو بأهله الكرام، فقد كريمته، ولا يوجد كلام أكثر من كلام الأسلاف، جبر الله مصابك وأحسن عزاءك يا مشعل.
نحن نعلم أن الرحيل هو نهاية الرحلة، وأن الموت هو الوجه الآخر من الحقيقة، حقيقة الحياة، ولا توجد بديهة تحصل كل يوم وكأنها مفاجأة، مثل وفاة من نحب، أو مثل الموت بشكل عام!
يتضاعف ألم الفقد حين يكون لمن هو جزء أصيل مكوّن من ذاكرتنا وحياتنا نفسها مثل الوالدين والأولاد والإخوة والأخوات.. والأصدقاء الخلّص.. وآه من ألم فقد هؤلاء، الذي يتحول مع الزمن من جرح طري نازف إلى طلل جرح ناشف نبيل.
حين فقد الشاعر والسياسي أبو الحسن التهامي (ت 416 هجريا) ابنه، رثاه مرثية خالدة في ديوان التاريخ.
مما قاله فيها:

عجل الخسوفُ عليه قبل أوانِه..............فمحاه قبل مظنة الإبدار

واسّتُل من أترابه ولِداته..................... كالمقلة استّلت من الأشفار

فكأنَّ قلبي قبرُه وكأنه........................ في طيِّهِ سِرٌّ من الأسرار

أبكيه ثم أقول معتذراً له .....................وُفّقْتَ حين تركتَ ألأمَ دار

جاورتُ أعدائي وجاور ربه.................. شتان بين جواره وجواري

الذي يظل من عاصفة الحزن نسمات تطوف بفناء الذاكرة، قد تعبر عن نفسها على هيئة قصيدة أو أغنية أو لوحة أو نقش أو.. مقالة، وهنا سحر الفقد وسره، هو عنوان الغياب والفناء، يكون سبباً للبقاء والخلود.. والتسلسل في شرايين الإبداع والفن.
بل إن الفقد يصبح سبباً لتفجر الماء من حيث لا يتوقع.
تروي كتب التراجم عن الإمام البخاري، صاحب الصحيح، حين بلغته وفاة صديقه المحدث الكبير، عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت 250 هجريا) حسب ابن عساكر بـ«تاريخ دمشق»: نكّس رأسه، ثم رفع واسترجع، وجعل تسيل دموعه على خديه ثم أنشأ يقول:

إن تبق تفجع بالأحبة كلهم ...................... وفناء نفسك لا أبا لك أفجع!

قالوا لم يعرف عن البخاري إنشاد الشعر أو التمثل به، إلا هذه المرة.

[email protected]