بكر عويضة
صحافي فلسطيني بدأ احتراف الصحافة في ليبيا عام 1968 حيث عمل في صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، ثم «البلاغ» و«الجهاد» في طرابلس. واكب صدور الصحافة العربية في بريطانيا منذ 1978 فعمل في صحيفة «العرب»، ثم مجلة «التضامن»، وبعدها جريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط»، كما عمل مستشاراً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية.
TT

عواصف رئيس مختلف

كتاب مايكل وولف «نار وغضب: داخل بيت ترمب الأبيض» عاصفة جديدة تهبّ في فنجان رئيس أميركي مختلف عن كل سلف سبقه، والأرجح عن أي خلف يحل بعده. ثم إنها، الاحتمال الأغلب، ليست آخر العواصف. تُرى، هل هي أعتى من سابقاتها؟ أتحمل بين رياحها خطر رحيل سيد المنزل رقم 1600 في «بنسيلفانيا أفينيو» - شمال غربي واشنطن؟ كلا، حتى كتابة هذه الكلمات - مساء الاثنين - لم يبدُ في أجواء ما بعد عاصفة وصول الكتاب أرفف المكتبات، أنها تمخضت عما يمكن أن يريح بال خصوم الرجل لجهة أنه سيفشل في احتواء ما أثاره وولف وعدّه الخصوم «فضائح» طالت أفراداً من عائلة الرجل. خلافاً لذلك، واضح أن الرئيس ترمب سوف ينجح في ركوب عاصفة كتاب مايكل وولف، كما حصل مع عواصف سبقتها مِن قبل، ويمكن القول إن أول إشارات تصدع معسكر مَن أثاروها في الأصل، تتمثل في تراجع ستيف بانون، كبير استراتيجيي الرئيس سابقاً، ومبادرته للاعتذار عما صرح به لمؤلف الكتاب، خصوصاً تجاه ترمب الابن.
لماذا استهدف الرئيس ترمب من قِبل أغلب منصات الإعلام التقليدي في الولايات المتحدة، أكثر من أي رئيس سبقه؟ تساؤل تردد منذ الأسابيع الأُوّل، التي تلت حفل التنصيب الرسمي (22 - 1 - 2017)، ولم يزل يُثار كلما أثير جدل بشأن أي قرار صادم يتخذه رجل الصدمات. الجواب المعروف لكل متابع مُلّم، هو لأن الرجل نفسه غير تقليدي. لم يدخل دونالد ترمب معترك السباق الرئاسي للقوة الأعظم في العالم، والدولة الأغنى بين اقتصادات الكوكب، آتياً إليه من الدوائر التقليدية، بل أتاه منطلقاً من دائرة أعماله الخاصة، ولمّا تحدث، خلال الحملة الانتخابية، عن رؤى وطموحات داخلية لاقت قبولاً في مناطق الداخل الأميركي، وأحدثت صدى إيجابياً في أوساط ناخبين يساورهم غضب تجاه ما عدّوه تهميشاً لهم، بدا من الطبيعي أن أسهم المرشح ترمب راحت تكتسح بورصة السباق بقوة. ثم إن المؤشر راح يتصاعد بعدما أزاح الآتي من خارج الملعب السياسي منافسين له كانوا من عتاة الجمهوريين، مع ملاحظة أن عدد المتنافسين على تسمية الحزب الجمهوري للمرشح الرئاسي بلغ 21 سياسياً في المرحلة الأولى لمعركة 2016. إذ ذاك، انتبه المعنيون في أوساط أميركا اليسارية والليبرالية، ثم أوروبا الغربية، لحقيقة أنهم يواجهون حالة تحدٍ مختلف، ظاهرة من نمط غير معتاد، فبدأ الاستعداد لوقف «البلدوزر الترمبي» قبل أن يصل البيت الأبيض، وإذ استحال تحقيق ذلك الهدف، بدأ تطبيق المخطط البديل: تحطيم رئاسة ترمب قبل ختام سنتها الأولى.
هل يمكن القول إن الرئيس ترمب نفسه أعان خصومه؟ نعم، في تقديري، وربما جانبني الصوابُ. توضيح ذلك خلاصته اتفاق كثيرين على مبدأ أن فضاء «تويتر» هو سلاح ذو حدين، سواء فيما يتعلق بعوام المغردين أو نُخَبهم، فكيف إذا تعلق الأمر برئيس الدولة الأهم في العالم. صحيح أن التغريد يتيح للرئيس ترمب التواصل المباشر مع الناس، وربما يسهم في لفت انتباه عواصم عدة، أو جهات عدوة، خارج أميركا لما قد يقدم عليه رئيسها، فتضطر من جانبها إلى إعادة النظر في مواقفها، وربما ترتبك مخططاتها. مع ذلك، واضح أن ثمة تغريدات للرئيس أتاحت فرصة للنيل من شخصه، ولو تحت غطاء السخرية، أو التساؤل عن كيف يمضي القابض على الزر النووي في البيت الأبيض وقته. في السياق ذاته، يجوز الافتراض أن الرئيس ترمب لم يكن مضطراً لإعطاء كتاب مايكل وولف ما أعطاه من الاهتمام، ذلك أن إهماله، بدل السعي لوقف نشره، كان سيحول دون حصول المؤَلف على قدر هائل من الدعاية لم يك بوسع الكاتب، أو الناشر تحقيقها.
الواقع أن الملف الأخطر أمام الرئيس ترمب هو المتعلق بعلاقة حملته الانتخابية مع روسيا. ما لم يغلق هذا الباب نهائياً، وبشكل قانوني، سوف يظل يسبب، بين حين وآخر، من المتاعب ما يعيق عمل ترمب وإدارته. صحيح أن فترة أقل من سنة عمل في المكتب البيضاوي أثبتت للعالم أنه يتعامل مع رئيس مولع بإثارة الزوابع، ولكن من الواضح أن دونالد ترمب أثبت، كذلك، كم هو بارع أيضاً في التعامل مع تبعات أي زوبعة يثيرها، أو تُثار في طريقه، لتنتهي عاصفة في فنجان.