طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

عرض وطلب وأشياء أخرى

عندما سألوا النجم العالمي عمر الشريف عن أجور النجوم، قال في جملة أثارت الجدل «فلوس الفنانين حرام»، بالطبع لم يكن عمر يقصد الحلال والحرام بمعناه الديني، لكن البعض فسرها كذلك، واستغلها المتطرفون الذين يحرّمون الفن على طريقة «وشهد شاهد من أهلها»، في الحقيقة وكما أوضح عمر الشريف بعدها، أنه كان يقصد أن النجم لا يبذل مجهوداً يستحق كل هذه الأموال، التي يتقاضاها، وأن من هو جدير بتلك الأرقام المليونية، هم المبدعون الذين يبذلون الطاقة، سواء في الصياغة الدرامية أو الإخراج.
هناك بالطبع من يعتبر، المؤدي غير مبدع، عندما تقرر في الستينات منح أم كلثوم جائزة الدولة التقديرية، اعترضوا وقالوا «إنها مجرد صوت يؤدي كلمات لشاعر وأنغام لملحن»، لولا أن الرئيس جمال عبد الناصر تدخل فأقروا الجائزة.
بالطبع، هناك مؤدٍ مبدع، فلا يمكن أن نغفل أن صوت فيروز مبدع وملهم، وأن ممثلين عالميين مثل أل باتشينو، وجاك نيكلسون، وميرل ستريب مبدعون، وعلى المستوى المحلي أرى سعاد حسني، وأحمد زكي، ويحيي الفخراني، وغيرهم ينطبق عليهم أيضاً التوصيف نفسه.
كيف تتحدد إذن أجور النجوم؟ سؤال أثير في الأسابيع الأخيرة، مع إعلان عدد من الفضائيات وضع حدٍ أقصى لشراء الأعمال الدرامية، قرابة أربعة ملايين دولار للمسلسل، بينما هناك نجوم يتقاضون ما هو أكثر من نصف هذا الرقم؛ ولهذا أعتقد أن هذا الاتفاق لن تلتزم به كل الفضائيات، وسوف يفرض في النهاية قانون العرض والطلب على الجميع.
الأجور في الحياة الفنية تتغير وفقاً لثمن الفنان، وغالباً فإن نجاح العمل الفني الأخير هو الذي يدفع شركات الإنتاج للتعاقد مع النجم، وفقاً لما حققه من إيرادات سابقة، ولا أحد يحدد نسبة الزيادة، إلا أن الأمر لا يخلو بالتأكيد من قفزات، وقد يرتفع أجر الفنان مرة واحدة، إلى رقم لم يكن يحلم به، ثم يأتي فيلم آخر تنهار إيراداته، أو مسلسل تقل درجة كثافة مشاهديه، فيعيش في هذه الحالة كابوس يهدده بفقدان أجره، الذي وصل به لعنان السماء.
بعض النجوم يضعون قاعدة خاصة، ولا تطبق أبداً على الآخرين مثل خالد الصاوي، الذي يزيد أجره من عمل إلى آخر بنسبة لا تتجاوز 10 في المائة، وهو يذكرني بالمطرب الفكاهي عزيز عثمان، الذي كان يقول في أحد الإسكتشات «مربوط ع الدرجة التاسعة، والناس درجات - ومرشح آخذ التامنة غير العلاوات».
كانت نصيحة مارلون براندو لجاك نيكلسون أن يعرف بالضبط ما الذي يساويه عند شركات الإنتاج، وبعد ذلك يخفض أجره قليلاً، حتى تتسع أمامه الاختيارات الفنية، وهي نصيحة يأخذ بها حالياً أحمد السقا، الذي يحدد اسمه وحجمه في السوق، ثم يهبط بالرقم قليلاً حتى يُعرض عليه أدوار أكثر، وهو ما يمارسه أيضاً أحمد حلمي، بينما محمود حميدة عندما سألته، قال لي «أغلب الأدوار التي أحبها قدمتها مجاناً»... قلت له والآن؟ أجابني «أتحدث عن أفلامي قبل عشر سنوات».
المؤكد أن نجوم الملايين سوف يُجبَر الكثير منهم على خفض أجورهم، ربما أكثر من النصف؛ لأنهم خذلوا الناس، وساعتها سوف يشهرون في وجوههم قانون العرض والطلب؛ مما سيؤثر حتماً على تسويق أعمالهم التلفزيونية في رمضان المقبل، إلا أنهم لن يعترفوا، سوف تقرأ في الجرائد هذا الخبر، قرر النجم الفلاني بعد النجاح المنقطع النظير الذي حققه مسلسله الأخير، زيادة أجره للضعف، ورغم ذلك فلقد عُرض عليه عشر مسلسلات لا يزال يفاضل بينها.