إميل أمين
كاتب مصري
TT

دافوس... مستقبل مشترك في عالم مجزأ

حكايا دافوس 2018 تبدأ من عند ما يعرف بـ«تقرير المخاطر العالمية» الذي يصدر عن المنتدى الأهم اليوم حول العالم، سيما أنه بات يجمع كبار السياسيين والاقتصاديين حول العالم. والسياسة والاقتصاد عرفا طوال الأزمنة بأنهما صنوان لا يفترقان.
تقرير العام جاء لينذر ويحذر من نشوب مواجهات، ربما تؤدي في نهاية المشهد إلى حروب عسكرية، والأمر هنا ليس رجماً بالغيب، بل توقعات مستقبلية قام على رؤيتها نحو ألف خبير من حكومات وشركات وأكاديميين ومنظمات غير حكومية، ما يكسب العمل نوعاً من المصداقية والموثوقية العالمية.
مفردات التقرير تشير إلى أن 92 في المائة من الذين شاركوا في إعداده يرون أن المواجهات السياسية أو الاقتصادية بين بكين وموسكو، وواشنطن ونيودلهي، وجميعها تمثل مراكز اقتصادية متقدمة عالمياً والحرب بينها تكاد تكون آتية لا ريب فيها، وبينهم 40 في المائة يشددون على حتمية حدوثها.
عديدة ومخيفة بالفعل المخاطر المحدقة بالعالم، وفي مقدمتها التغيرات الطبيعية والمناخية والمرشحة للتفاقم بشكل كفيل بإحداث خسائر منقطعة النظير بالكائن البشري سيما بعد انسحاب ترمب من اتفاقية باريس للمناخ.
عطفاً على ذلك تبقى مخاوف الحروب والهجمات الإلكترونية مجالاً جديداً للتهديد وللمخاوف التي لا يقدر أحد على التنبؤ بها، أما عن الصراعات النووية فحدث ولا حرج عن صراع «الأزرار النووية» ما بين كوريا الشمالية وواشنطن، وفي الوقت عينه يبتسم القيصر الروسي من وراء الستار ويداه على مفاتيح صواريخ من نوعية «سامارات» الواحد منها كفيل بإبادة نصف أوروبا لو شاء، أو عدة ولايات أميركية كبرى بكبسة واحدة لا غير.
هل على الاقتصاديين القلق من السياسيين؟
يبقى الاقتصاد دالة للسياسة في كل الأوقات، ورغم حالة التعافي في النمو الاقتصادي العالمي العام الماضي، فإن تقرير دافوس يصف إشكالية التفاوت في الدخول بأنه «مشكلة مدمرة» في العديد من الدول.
ذات مرة تحدث الحكيم الصيني الأشهر «كونفوشيوس» ناصحاً الحكماء والزعماء بأن لا يخشوا الفقر إذا ساد البلاد وعم العباد فساعتها سيشعر الجميع بأنهم نسيج اجتماعي واحد، فيما حذرهم كل التحذير من إشكالية التفاوت الطبقي، معتبراً إياها كفيلة بتفكيك البنيان الإنساني لأي مجتمع بشري، ومن ثم الدخول في طور الاضطرابات والقلاقل، وتالياً حالة الصراع الأهلي.
على أن الكارثة التي يتوجب النظر إليها بعمق وتدقيق والتي لفت إليها التقرير النظر هي غياب البدائل وانحسار التعددية، ذلك أن المخاطر العالية تتطلب لمواجهتها سيناريوهات مختلفة، وأفكاراً متباينة، دروباً متعددة، لكن الناظر للمشهد الأميركي وللجالس سعيداً في البيت الأبيض يوقن بأن العالم يتحرك في الاتجاه الآخر.
قبل أن يبدأ دافوس أعماله بدا ترمب للبعض وكأنه حجر عثرة في طريق المؤتمرين، بل السويسريين أصحاب المكان بنوع خاص، فقد أطلقت منظمة سويسرية للحملات والتعبئة الأربعاء الماضي عريضة إلكترونية تهدف للحؤول دون حضور الرئيس الأميركي لمنتدى دافوس.
لماذا يرفض الأوروبيون في واقع الحال وليس السويسريين فحسب حضور ترمب؟
لأن الرئيس لا يغير دفة شراعه الأحادي التوجه، وعلى غير المصدق أن يستمع لتصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، حيث أكدت أن الرئيس الأميركي «يرحب بفرص عرض خطته المعروفة باسم (أميركا أولاً) أمام زعماء العالم».
ليس هذا فحسب بل إنه «يتطلع كذلك إلى الترويج لسياساته الرامية إلى تعزيز الشركات والصناعات الأميركية والعمال الأميركيين».
والشاهد أنه على الرغم من تأكيد إدارة المنتدى على حضور الرئيس ترمب، فإن الرفض لحضوره في أوروبا انتقل اليوم من صفوف النخبة إلى العوام والعكس، ما يدلل على أن الحبل السري بين الأوروبيين والأميركيين في طريقه للقطع وليس للوصل، وبخاصة بعد تصريحاته الأخيرة عن أفريقيا وبعض دولها، ناهيك عن مشاعره الواضحة تجاه الإسلام والمسلمين، والتمييز على أساس الجنس، وكراهية النساء، ورفضه لاتفاقية المناخ، وميله إلى تنفيذ سياسات تزيد من إفقار الفقراء.
دافوس وضيوفها هذا العام يحولون أنظارهم شرقاً جهة الصين، علها تكون ولو في المستقبل الوسيط بديلاً يعطي أملاً ومسرباً للعالم للانعتاق من أسر الأحادية الأميركية.
في هذا السياق وجدنا كلاوس شواب البروفسور المؤسس لمنتدى دافوس يصرح تصريحاً مهماً للغاية، وهو أنه يتوقع «لحظة مهمة» في دافوس، عندما تتقاسم الصين مع العالم معلومات جديدة عن تنميتها الاقتصادية.
عنوان دافوس هذا العام «خلق مستقبل مشترك في عالم مجزأ» وهو عنوان يتصل بالفلسفة الصينية، بأكثر من علاقته بالفكر الأرسطي الغربي، فالصين ترى أن الوجود «كل» وأن التناقض هو جوهر الوجود، ولا يوجد وجود من دون تناقض، كما أنه يمكن تحريك مراكز التناقض من اليمين لليسار، أو العكس من دون استبعاد الآخرين، وهذا يقتضي قدراً عالياً جداً من القدرة على التعايش وممارسة التحريك دون هيمنة.
في هذا الإطار تتوافر البدائل والتعددية التي يبحث عنها العالم الأوروبي والآسيوي والأفريقي واللاتيني، وبعيداً عن الرؤية المتسلطة لـ«أميركا أولاً».
ويبقى السؤال: «ماذا عن الوجود العربي في دافوس هذا العام؟ وهل هو وجود بروتوكولي شكلي أم حضور مؤثر وفاعل؟ أضعف الإيمان ليكن دافوس طاقة للنظر إلى أحوال العالم والتعلم من تجارب الناجحين».