طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

اسأل مجرب!

في كثير من دول العالم يتابع الجمهور بشغف أرقام مبيعات المصنف الفني، سواء شباك تذاكر الأفلام وعدد نسخ الـ«سي دي» للأغاني، وكثافة المشاهدة في البرامج والمسلسلات وغيرها، الرقم يمنح دلالة مؤكدة على ذوق الناس، وقد يتغير المؤشر ونكتشف أن مزاج الناس قد انتقل إلى وجهة أخرى، وأن من وجدناه يعتلي القمة، هبط وبمعدل سريع إلى القاع.
في بلادنا كثيراً ما نكتشف تضارب الأرقام، خاصة في رمضان، وأيضاً مواسم عروض الأفلام، هل ننسى مثلاً أن كل نجم ينشر أنه الأول، شركات الإنتاج أيضاً تلعب في المساحة نفسها، وتعلن أرقاماً مبالغاً فيها، من أجل جذب المتفرج، كل هذه التلاعبات مجرمة في دول العالم، لأنها تدخل في إطار الغش التجاري، بينما يعتبر كُثر عندنا أن الكذب في الأرقام خاصة عندما يتعلق بالأعمال الفنية وسيلة لتحلية البضاعة، فهو نوع من «الكذب الأبيض»، بالطبع لست من أنصار إضفاء لون على الكذب، حتى نتعامل معه بقدر من التسامح، ولكن هذا هو مع الأسف ما تعارفنا عليه، حيث نصنف الكذب ما بين مباح أو مكروه أو محرم.
هل على الفنان عندما يشارك في عمل لا يزال متداولاً بين الناس ولديه رأي سلبي أن يعلنه على الملأ؟ ليس هذا ما أقصده قطعاً، ولكن الحديث عن الرقم الزائف هو فقط الممنوع، على الفنان إذا كانت لديه وجهة نظر سلبية، أن يلتزم الصمت أثناء وجود العمل الفني مع الناس.
حدث مرة قبل نحو 13 عاماً في مسلسل «المرسى والبحار» بطولة يحيى الفخراني الذي خرج في أحد برامج التلفزيون قبل نهاية رمضان، معلناً تبرؤه من المسلسل، كان خطئاً كبيراً وفادحاً من نجم مخضرم، ولهذا لم يكررها بعد ذلك.
الفنان عندما يشارك في عمل فني، ولديه ملاحظات، عليه أن يحتفظ برأيه، حكى مرة الشاعر عبد الرحمن الأبنودي أنه بعد أن استمع إلى أغنية «أنا كل ما أقول التوبة» لم يرتح إلى التوزيع الموسيقي لعلي إسماعيل وجده يخون روح الكلمة الصعيدية ونبض لحن بليغ حمدي الذي به مسحة فولكلورية، وأعلن ذلك لإحدى الصحف، اتصل به عبد الحليم معاتباً، وتفهم الأبنودي سبب العتاب، ومرة أخرى غضب الملحن محمد الموجي من أداء عبد الحليم حافظ لموشح «كامل الأوصاف»، فقرر أن يردده بصوته في حفل أحياه في دمشق، وبالطبع لم يشتهر «كامل الأوصاف» إلا بصوت عبد الحليم.
كان مثلاً نجيب محفوظ نموذجاً للصمت الجميل، كانت لديه كثير من الآراء في عدد من أفلامه التي قدمت عن رواياته يبوح بها فقط لأصدقائه، إلا أنه لم يعلن غضبه سوى مرة واحدة بسبب فيلم «نور العيون»، لأنه تجاوز كل حدود الصبر، بينما يوسف إدريس كثيراً ما كان يذهب إلى ساحة القضاء للمطالبة بإيقاف عرض الفيلم، متهماً المخرج بإفساد الرواية.
هل يتأثر الجمهور بكلام النجوم عن العمل الفني سلباً أو إيجاباً؟ الناس لديهم قناعة بالمثل الشهير «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب»، من الممكن أن يرتاح النقاد بأن يذكروا أنهم مؤثرون على الجمهور، الذي ينتظر رأيهم ليحدد موقفه، والحقيقة أنه تأثير هامشي، الجمهور عندما يذهب لدار العرض متعددة الشاشات، يختار الطابور الأطول، ولا يكتفي عادة بهذا القدر، يسأل مجرباً خرج تواً من السينما، وبعدها يدفع مطمئناً ثمن التذكرة، أو يعيد مجدداً النقود إلى جيبه!.