إيلي ليك
TT

تحرك أميركي مبدئي حيال الإخوان المسلمين

قبل عام من الآن، كان يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سوف يُدرج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة التنظيمات الإرهابية العالمية. ولقد حاول بعض من أقرب مستشاريه حضّه على تلك الخطوة. كما طالب بعض من حلفاء الولايات المتحدة، مثل مصر، بذلك بهدوء أيضاً. وأعتقد الكثير من الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس أن تلك الجماعة، التي تمخض عنها ما بات يُعرف بالإسلام السياسي، ينبغي التعامل معها مثل تنظيم القاعدة الإرهابي سواء بسواء.
غير أن ذلك لم يحدث. ولقد أخبرني بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية بتوقف المقترح المبدئي خلال العام الماضي بإدراج جماعة الإخوان المسلمين بأسرها، بما في ذلك أذرعها وفروعها في مختلف البلدان حول العالم، على قائمة التنظيمات الإرهابية. وفي الوقت الذي أقر فيه البيت الأبيض استراتيجية الأمن القومي الأميركية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لم يأت على ذكر تلك الجماعة بمجرد الاسم.
بدلاً من ذلك، استقرت الإدارة الأميركية على مقاربة أكثر دقة في هذا الصدد؛ إذ تسعى إلى تسمية الأذرع العنيفة المتفرعة عن جماعة الإخوان المسلمين بالإرهابيين، لكن من دون ملاحقة الجماعة الأم بأكملها. وكما صرح مستشار الأمن القومي الأميركي ماكماستر للصحافيين في ديسمبر الماضي: «سوف نعمل على تقييم كل جماعة وتنظيم وفقاً لوضعه. وهذه الجماعة ليست موحدة أو متناغمة كما يبدو».
بيد أن هذا المنهج الأميركي ليس جديداً من بعض النواحي. فلقد تمكنت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما من التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر في أعقاب انتفاضة الربيع العربي هناك لعام 2011. ورغم ذلك كانت تتعامل مع ذراعها الفلسطينية، أي حركة حماس، بصفتها منظمة إرهابية. وليست هناك خطط واضحة أو معلنة من جانب إدارة الرئيس ترمب الحالية للوصول إلى أرضية مشتركة مع جماعة الإخوان المسلمين، كما أخبرني بعض المسؤولين الأميركيين.
غير أن الإدارة الأميركية باتت تعتمد سياسة أكثر جدية وصرامة حيال الأذرع العنيفة المتفرعة عن جماعة الإخوان المسلمين. مؤخراً، أوضح ناثان ساليس، المفوض الأميركي لمكافحة الإرهاب، بعض التفاصيل حول هذا المنهج الجديد أمام المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، وقد أدرجت الحكومة الأميركية حركة حماس للمرة الأولى بصفتها منظمة إرهابية في عام 1997، لكن خلال فترة ولاية أوباما الثانية، تراجعت وتيرة التسميات الرسمية حيال حماس.
ولقد أخبرني جوناثان شانزر، نائب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأسبوع الحالي: «كان هناك تردد خلال السنوات الثلاث الأخيرة من إدارة أوباما حيال تسمية رجال حركة حماس». ويرجع ذلك جزئياً إلى إسرائيل. بعد حرب الصواريخ لعام 2014 مع حماس في قطاع غزة، توصلت إسرائيل إلى تفاهم مع جهتين من الجهات الداعمة الرئيسية لحركة حماس – قطر وتركيا – للسماح بمرور المزيد من البضائع والسلع إلى داخل القطاع، وتخفيف الحصار الإسرائيلي المفروض بعد عام 2007 عندما استولت حركة حماس على قطاع غزة وأطاحت بالسلطة الفلسطينية هناك. وأخبرني السيد شانزر بأنه في ذلك الوقت، علم من مصادره في وزارة الخزانة أنهم لا يريدون فرض المزيد من العقوبات الإضافية لتقويض تفاهم هاتين الدولتين مع إسرائيل.
وقال السيد شانزر كذلك: «من المثير للاهتمام أن الولايات المتحدة تشير إلى أنها لا ترى فرقاً بين القيادة السياسية في غزة، والمكتب السياسي، والقيادة العسكرية للحركة». وهذا المنهج واضح في بيان الخارجية الأميركية بشأن الإدراج الأخير لاسم إسماعيل هنية.
ومن الأسباب الأخرى المهمة في تسمية هنية، أنه يشير إلى أن الولايات المتحدة لن تؤيد الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة بين حماس وفتح. ولقد هدد الرئيس ترمب بالفعل بقطع المساعدات عن الفلسطينيين، وجاء رد الرئيس الفلسطيني في يناير (كانون الثاني) الماضي بخطاب شديد اللهجة يصف فيه عملية السلام بأنها ليست إلا حبراً على ورق. ويوضح السيد ساليس في الوقت الراهن أن الولايات المتحدة لن تؤيد إقامة الحكومة الفلسطينية الواحدة.
كما أعلن السيد ساليس عن تسمية اثنين من التنظيمات الجديدة نسبياً، وهما «لواء الثورة»، وحركة «سواعد مصر». ويقود الحركتين المشكلتين في عام 2016 و2015، أعضاء سابقون في جماعة الإخوان المسلمين المصرية. ولقد أعلن كلا التنظيمين المسؤولية عن القيام بأعمال إرهابية.
وأعلن عناصر تنظيم لواء الثورة المسؤولية العام الماضي عن التفجير الذي وقع خارج أحد مراكز التدريب الشرطية في مصر. وفي عام 2016، كان التنظيم مسؤولاً عن اغتيال العميد عادل رجائي، قائد الفرقة التاسعة مدرعات المصرية.
كما يحمل تنظيم سواعد مصر تاريخاً عنيفاً أيضاً. إذ حاول التنظيم اغتيال مفتي الديار المصرية الأسبق الشيخ علي جمعة، وتمكن من اغتيال إبراهيم عزازي، الضابط الأسبق في جهاز الأمن الوطني المصري. وفي عام 2017، أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم وقع ضد السفارة المصرية في ميانمار.
ولقد مارس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الضغوط على واشنطن بهدف الإدراج الكامل لجماعة الإخوان المسلمين المصرية على قوائم منظمات الإرهاب الدولي. ومن المرجح أن يعتبر هذه التسميات إجراءً غير كامل.
لكن بطبيعة الحال، فإن الحكومة المصرية، التي وسّعت من دائرة الحملة المحلية خارج نطاق جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، لا تملي على الولايات المتحدة سياساتها.
يتعين على الولايات المتحدة التمييز الواضح بين الإسلاميين غير المنتهجين للعنف وأولئك الذي يقصدون سبيل الإرهاب. والتسميات التي أعلن عنها يوم الأربعاء الماضي من الأهمية بمكان في هذا الصدد. لكن لا يجب اعتبارها بديلاً عن وجود سياسة متماسكة بشأن جماعة الإخوان المسلمين. ولأجل هكذا غاية، يجب على الإدارة الأميركية صياغة استراتيجية في هذا الإطار.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»