طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

الأحلام لا تخضع لضريبة المبيعات

لو تزوج روميو جوليت، أو قيس ليلي، أو عنتر عبلة، أو كثير عزة، ما كان من الممكن أن يدخلوا تاريخ الرومانسية، الذي يفتح أبوابه فقط للعشاق، ويغلقه بـ«الضبة والمفتاح» أمام المتزوجين. للواقع دائماً حسابات أخرى، بينما الأحلام ليس عليها ضريبة مبيعات.
سوف أنعش ذاكرتكم بواحد من أشهر الثنائيات في تاريخنا السينمائي العربي أنور وجدي وليلى مراد. أراد أنور في المشهد الأخير من فيلم «ليلى بنت الفقراء» أن يحيل التمثيل إلى حقيقة، كانت اللقطة الختامية تنتهي فعلاً بالمأذون، وهو يعقد قرانه على ليلى، وجه أنور الدعوة للصحافة لكي تشهد التصوير، وفاجأهم بأنهم كانوا شهوداً على زواج فعلي. شهدت الحياة الزوجية بين أنور وليلى 8 أفلام مشتركة، من أهم أفلام السينما المصرية، يكفي أن بينها «غزل البنات»، بينما على المستوى الشخصي كثيراً ما أحال أنور حياة ليلى إلى جحيم، بسبب تعدد خياناته لها، كما أنه كثيراً ما كان يثير معها الخلافات عندما تتعاقد مع شركة إنتاج أخرى، وبعد إصرارها على الطلاق قرر أن ينتقم منها شر انتقام واتهمها كذباً بالعمالة لإسرائيل، مستغلاً أنها كانت تدين قبل إشهار إسلامها باليهودية. بينما مثلاً ظلت العلاقة دافئة بين شادية وكمال الشناوي اللذين حققا كثنائي رقماً قياسياً على الشاشة 36 فيلماً، واعتقد كُثر أنهما قد تزوجا، بينما في الواقع تزوج كمال شقيقتها عفاف فقط لبضعة أشهر.
قال لي كمال الشناوي إنه كان يتلقى دائماً خطابات من معجبين يسألونه عن شادية بعد اعتزالها، متصورين أنهما زوجان، لقد صنعت الشاشة بينهما حلماً جميلاً.
تذكرت تلك الحكايات، وأنا أقرأ قبل أيام حواراً للفنان السوري دريد لحام، عندما سألوه عن فيلم كان من المفروض أن يجمعه مع عادل إمام قبل نحو 34 عاماً، قال لهم «أفضل للأحلام أن تظل أحلاماً».
كانت بذرة هذا المشروع قد انطلقت، عندما التقيا صدفة في مهرجان قرطاج بتونس عام 1984، فطالبتهم الجماهير بضرورة اللقاء في فيلم سينمائي، قال عادل «يا ريت»، وأجاب دريد بأنه سيكتب ويخرج الفيلم وأطلق عليه «وطن في السماء»، يتناول الحدود المصطنعة بين الدول العربية والحلم المشترك بسقوط هذه الحواجز، يبدو السيناريو وكأنه تنويعة لفيلم «الحدود» الذي أخرجه دريد عن سيناريو لمحمد الماغوط.
ولو أنك عُدت للأرشيف في السنوات الأخيرة، ستكتشف أن دريد فقط هو الذي يحلم، ويكرر الإجابة نفسها: «سنلتقي قريباً»، بينما عادل عندما يُسأل عن «وطن في السماء» يؤكد أنه يسعده أن يلتقي مع دريد، ولا يذكر أي تفاصيل أخرى.
عبر التاريخ كثيراً ما تمنت الجماهير تلك اللقاءات بين الأقطاب، من بينها أن يلعب عبد الوهاب وأم كلثوم بطولة فيلم غنائي، وفي منتصف ثلاثينات القرن الماضي، تحمس طلعت حرب رائد الاقتصاد ومؤسس استوديو مصر لهذا اللقاء، اقترحوا سيناريو يتم استلهامه من «قيس وليلى»، وفي اللحظات الأخيرة وبسبب توجس كل منهما من نوايا الآخر، تراجعت أم كلثوم وفقد عبد الوهاب حماسه، ولم تلتقِ القمتان إلا بعدها بثلاثين عاماً في «أنت عمري»، عندما طلب منهما عبد الناصر تقديم أغنية مشتركة، ولم يجرؤ أي منهما بالطبع على الاعتذار أو التسويف.
من الواضح أن دريد مع مرور السنوات، اقتنع أن مشروعه «وطن في السماء» سيظل في السماء، ولهذا جاءت إجابته، وكأنها تُسدل الستار (أفضل للأحلام أن تظل أحلاماً)!