فاي فلام
TT

«كريسبر»... شعاع أمل جديد للعلاج

يمكننا القول بثقة إن السنوات الأخيرة لم تشهد تقنيةً جديدةً أشدَّ تألقاً ولفتاً للأنظار من «أسلوب التغيير الجيني» المعروف باسم «كريسبر»، وعليه، شعر بعض المستثمرين بقلق عارم في وقت سابق من الشهر عندما حملت دورية «إم آي تي تكنولوجي ريفيو» خبراً بعنوان: «(كريسبر) قد لا ينجح مع البشر».
في الواقع، تحمل أيّ تقنية لم يجرِ اختبارها قط في تجارب سريرية هذه المخاطرة. وبالنسبة لـ«كريسبر»، فإنه لم يجرِ تجريبه قطّ على البشر حتى هذه اللحظة داخل الولايات المتحدة أو أوروبا، بينما بدأت التجارب البشرية لتوِّها في الصين. ومع هذا، أعلن باحثون أميركيون أنه لا تتوافر لديهم معلومات كاملة حول سير هذه التجارب.
ولا يزال «كريسبر» يحمل وعوداً بإحداث تحول على أصعدة الزراعة والتصنيع ومجالات أخرى، لكن تطبيقه على البشر بنجاح - المفترض من خلال علاجه لأمراض - يشكِّل تحدياً مختلفاً، نظراً لأن ثمة أنفساً بشرية على المحكِّ هنا.
من ناحية أخرى، وصف الخبر سالف الذكر دراسة لم تُنشَر بعد، لكن موثوق بها أجرتها جامعة ستانفورد، إحدى أكبر الجامعات الأميركية، بأنها اعتمدت على عينات من الدم البشري، وبأن هذه الدراسة خلصت إلى أن بعض أنماط العلاجات المعتمدة على «كريسبر» قد تثير استجابة خطيرة من جانب جهاز المناعة.
وقال أحد القائمين على الدراسة، وهو ماثيو بورتيس البروفسور بجامعة ستانفورد بمجال طب الأطفال، إن الرسالة التي يمكن استخلاصها من الدراسة ليست أن «كريسبر» لا يمكن تطبيقه على البشر (يُمكن تطبيقه من حيث المبدأ)، لكن عالماً ما بمكان ما ربما يقع في خطأ قاتل، ويعيد كل شيء سنوات إلى الوراء.
ويعني ذلك أنه ثمة سبلاً محتملة لأن يمضي العلماء قدماً في اختبار «كريسبر» على نحو ينقذ الأرواح ويعالج المرضى، بينما تبقى ثمة سبل أخرى يمكن أن يسفر من خلالها «كريسبر» عن الإضرار، بل وربما قتل الناس.
والآن، يقف العلماء في مواجهة «كريسبر»، ولا تتوافر مؤشرات واضحة تشير إلى السبل الأكثر أماناً الواجب اتخاذها. ويعج التاريخ بالتحذيرات إزاء مثل هذا الأمر. على سبيل المثال، كانت استجابةً عنيفةً من قبل جهاز المناعة السبب وراء مقتل مريض يبلغ من العمر 18 عاماً داخل جامعة بنسلفانيا منذ ما يقرب من 20 عاماً عندما شرع باحثون في تجريب تكنيك مشابِه رائد في تعديل الحمض النووي يُعرَف باسم «العلاج الجيني».
من جانبه، يعمل بورتيس مع إدارة الغذاء والدواء لبدء تجارب سريرية للعلاج باستخدام تقنية «كريسبر» لتناول الأمراض التي تصيب الخلايا. ويكمن الاختلاف الجوهري بين «كريسبر» والأنماط الأخرى الأكثر تقليدية من العلاج الجيني، حسبما أوضح بورتيس، في مستوى دقة الأول. وتعتمد النسخة الأصلية من العلاج الجيني على فيروسات جرى تعديلها كي تدمج الجينات المرغوبة في الحمض النووي للمرضى. أما في العلاجات المعتمدة على «كريسبر»، يعتمد العلماء على بروتين بكتيري يدعى «سي إيه إس 9» يستهدف الحمض النووي للمريض في مكان معين وقع عليه الاختيار، بحيث يتمكن العلماء من طرح نسخة مصححة أو مبدَّلَة من جين ما.
إلا أن التجارب التي أجراها بورتيس أظهرت أن كثيراً من الأفراد لديهم بالفعل مناعة إزاء بروتينات «سي إيه إس 9». وأضاف بورتيس أن هذه المناعة ربما تؤدي، وربما لا، إلى رد فعل خطير من قبل جهاز المناعة في المرضى، لكن ينبغي توخي الحذر الشديد إزاء ذلك الأمر. ومع هذا، فإن بورتيس وعلماء آخرين أكدوا أن هذا الأمر لا يفسد الجهود برمتها، حتى بالنسبة للأفراد الذين يتمتعون بهذه الحصانة، وذلك لأن ثمة بروتينات أخرى بمقدورها التكيُّف للاضطلاع بهذه المهمة.
جدير بالذكر أن بعض أولى التجارب على البشر داخل الولايات المتحدة ينوي بورتيس إجراءها على مرضى يعانون من خلايا مصابة، سوف تستخدم بروتين «سي إيه إس 9» خارج الجسم، بحيث لا تتوافر فرصة كبيرة لأن يثير جهاز المناعة أية مشكلة. ويكمن الأمل في أنه لدى إعادة خلايا الدم المعدّلة إلى أجساد المرضى، فإنها ستشرع في إنتاج هيموغلوبين صحي، بدلاً عن النسخة المريضة الأصلية.
إلا أن رؤية أكثر قتامةً ظهرت في عنوان خبر زعم أن «الشركات العاملة في مجال تعديل الجينوم تعمد إلى التقليل من أهمية الدراسة الخاصة بـ(كريسبر)».
من جانبي، تحدثتُ إلى جوناثان كيملمان، المتخصص في أخلاقيات مهنة الطب بجامعة مكغيل، تحديداً عن مخاطر التجارب الطبية. وقال كيملمان إن المال بطبيعة الحال ليس الشيء الوحيد الذي قد يمنع بعض الباحثين في مجال الطب من التحلِّي بالموضوعية الكاملة، وإنما هناك أيضاً الرغبة في الظهور كأبطال والتفوق على منافسين وتقديم العون للمرضى. بيد أن الخوف الأكبر يكمن في أنه بغض النظر عن الدافع المحرك للعلماء، فإنهم قد يغفلون دون قصد، مثلما الحال مع أي فئة أخرى من البشر، بعضَ النقاط.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»