إميل أمين
كاتب مصري
TT

زمن القراصنة الإيرانيين الجدد

قبل بضعة أيام طيرت وكالات الأنباء الدولية تصريحاً لعلي أكبر ولايتي مستشار المرشد علي خامنئي يؤكد فيه المؤكد لجهة عزم بلاده توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، ونياتها أن تظل لاعباً رئيسياً في المنطقة.
تحاول طهران ومن خلال التصريحات الأخيرة الظهور بمظهر «دون كيشوت»؛ إذ يدعي ولايتي أن «إيران لا تعتزم التخلي عن الدول الضعيفة في المنطقة»... هل لهذا وصف الرئيس ترمب في خطابه عن حالة الاتحاد النظام الإيراني بأنه نظام ديكتاتوري؟ وماذا لدى الأميركيين من خيوط جديدة ومثيرة عن الدور الإيراني الهدام خليجياً وشرق أوسطياً؟
تمضي إيران في أسلوب التصعيد تجاه المجتمع الدولي بشكل عام، ولا تقيم وزناً لأمن وسلامة منطقة الخليج العربي بنوع خاص، وفي كل الأحوال تصدق فيها تصريحات السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي: «نحن نرى كيف تتكدس الإثباتات على أن إيران تتجاهل بشكل بذيء تعهداتها الدولية»، وتضيف: «العدوان الإيراني ليس فقط تهديداً للجيران بل للعالم بأسره».
في مقدمة ضروب التحدي والتصدي الإيرانيين للعالم ما جرى في الأسبوع الأخير من الشهر الفائت، ذلك حين أطلقت طهران خلال مناورتها البحرية صاروخاً جديداً يحمل اسم «قدير» بعيد المدى مطوراً بقابلية الإعداد السريع والتحليق المنخفض وهو مضاد للحرب الإلكترونية، ويحظى بنقطة دوران ودقة ملاحية عالية، ويعد من الصواريخ المتطورة والحديثة.
وإضافة للصاروخ «قدير» أطلقت طهران صاروخاً آخر يحمل اسم «نصر» قادراً على تدمير الوحدات العائمة بوزن 3 آلاف طن.
هل يشعر الآن باراك أوباما بالطمأنينة وهو يرى نتائج اتفاقيته النووية مع الإيرانيين؟
ربما تكون صواريخ «قدير» و«نصر» هي الترجمة الفعلية للمليارات التي فك حظرها وأرسلها بطائرات خاصة إلى الإيرانيين، وإن كان الأميركيون بقيادة ترمب يدركون أبعاد التسويف والتلاعب الإيراني، فيما لا يزال الأوروبيون غافلين عما يجرى وتداعياته بالنسبة لهم وهم الأقرب جغرافياً وديموغرافياً.
الشاهد أن الأميركيين يتحسبون اليوم لنوع جديد من أنواع القلاقل الإيرانية في الشرق الأوسط، ذلك أن الملالي لم تعد تكفيهم صراعات العوالم الحقيقية على الأرض، ليتحولوا إلى ضروب الفضاءات السيبرانية، وليصبحوا بذلك قراصنة العصر الجدد... ما الجديد في هذا السياق؟
نحن نتحدث عن الورقة البحثية الأخيرة التي صدرت عن مركز كارنيجي للسلام في الولايات المتحدة وعنوانها «خطر إيران الإلكتروني»، وأعدها الباحثان كولن أندرسون وكريم سادجابور.
حديث الهجمات الإلكترونية الإيرانية ليس جديداً في واقع الأمر، لكن من الواضح أنه بدأ يأخذ أبعاداً مثيرة، فطهران مصرة على مواجهة الجميع، براً وبحراً وجواً، وفي المجالات السيبرانية عبر أعمال القرصنة والاختراق الإلكتروني، يستوي في ذلك أن تكون واشنطن هي الهدف أو الرياض.
ورقة كارنيجي تلفت أنظارنا إلى أن طهران التي تمد أذرعها الاستخباراتية ووكلاءها من الميليشيات في المنطقة، تمضى بالعقلية نفسها في طريق الاستعانة بمجموعات من الهاكرز وأفراد مجهولين في بلاد مختلفة للحصول على معلومات وبيانات على كل الأصعدة لتجعل منها ترسانة معرفية تتلاعب من خلالها بمقدرات الآخرين.
قراصنة إيران الجدد لا يعيرون البحر اهتماماً، فقد أوكلوه إلى «قدير» و«نصر» وغيرهما، وأضحت غاراتهم تشن من أروقة جامعاتهم ومراكزهم المتخصصة، ورغم تصنيف إيران ضمن الدرجة الثالثة بحسب ورقة كارنيجي، فإن عنصر المفاجأة الذي يوظفونه في شن الهجمات، غالباً ما يحقق أضراراً كبيرة للأطراف المستهدفة.
لا تواري أو تداري طهران نياتها وتطلعاتها في الهيمنة على الخليج العربي فحسب بل على مقدرات العالم بأسره مدفوعة في ذلك برؤى عقائدية، ولهذا لا تخشى من أن تعلن أن لديها «جيشاً إلكترونياً» كان قد أعلن من قبل مسؤوليته عن عمليات قرصنة تجاه معارضين للنظام.
كارثة قراصنة إيران الجدد سيبرانياً أنهم يستهدفون ضمن إطار آيديولوجي أيضاً كلاً من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وبنوع خاص يضعون نصب أعينهم قطاعات الطاقة والطيران، ما يجعل نهار الخليج العربي والشرق الأوسط قلقاً وليله أرقاً من الخطر الماثل أمام الأعين.
هل ما نراه من تحركات إيران إلى الأمام عبر حروب الوكلاء وقراصنة السيبر دليل على قوة الجمهورية الإسلامية ومتانتها كما يدعي القائمون على شؤونها، أم أنها هروب من واقع داخلي مأزوم؟
كثير من المحللين المتخصصين في المشهد الإيراني يرون أن ما جرى مؤخراً من انفجارات ليس إلا انعكاساً لإيران المتفككة، وما هروبها إلى أفريقيا وأميركا الجنوبية، وتدخلها في ساحات لبنان واليمن وسوريا والعراق سوى مغالطة للذات الإيرانية ولحقائق الأمور وطبائع الأشياء، سيما أن الفارق بينهما وبين أن تضحى دولة كبرى أو قطباً دولياً كبعد المشرق عن المغرب.
غير أن ذلك لا يعني أنه لا خطر حقيقياً من تلك التحركات الإيرانية، الأمر الذي لفتت إليه شركة «فاير آي» المختصة بشؤون الأمن الإلكتروني مؤخراً، ما يلقي على المجتمع الدولي مسؤولية المواجهة مرة وإلى الأبد؛ فإما تعود طهران إلى رشدها وتتوقف عن لعب دور «صانع المشاكل»، وإما يخلص الجميع إلى موقف واضح ومن دون تردد.
الخلاصة... نقول للغرب: الأيادي المرتعشة لا تصنع التاريخ، وللإيرانيين: القراصنة لا يرثون الأرض.