طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

تزوير الجَمال

كل شيء من الممكن تزويره؛ الذهب والنقود والعقود، حتى الأفكار من الممكن نسخها وتدويرها. أحدث صيحات ومعالم التزوير أرصدها مرتين، واحدة في عالم الحيوان، والأخرى في عالم الإنسان، مع العلم أن الحيوان لا يد له في تلك اللعبة التي يلجأ إليها البشر (يعملها الإنسان ويقع فيها الحيوان).
قبل نحو أسبوعين تم استبعاد 14 جملاً من المشاركة في مسابقة للهجن، تقام سنوياً بالمملكة العربية السعودية، والجوائز قيمتها مغرية جداً تصل إلى 57 مليون دولار، ويشارك فيها 30 ألف جمل. هذه المسابقة القائمة على اختيار الجمل الأجمل، تجد بعضهم يستخدم وسائل البشر الصناعية نفسها، للوصول إلى تحقيق أعلى درجات الجمال، وهكذا تنتشر حقن «البوتكس» من أجل تكبير الشفاه والوجنات لإضفاء ملامح جاذبة، بل وصل الأمر إلى إجراء عمليات جراحية لتصغير الأذنين، وإضفاء حيوية على الرقبة، وكأننا بصدد صراع بشري، مثلما نرى أغلب النجمات مثل هيفاء وإليسا ونانسي وشيرين وغيرهن، وقد تغيرت ملامحهن بين كل حفلة وأخرى. وبالطبع الخبراء في لجنة تحكيم الهجن اكتشفوا تلك التلاعبات، والغريب أن الجمل هو الذي يدفع الثمن، حيث يحرم لمدة تصل إلى خمس سنوات من المشاركة في المسابقة، رغم أنه ينطبق عليه في هذه الحالة المثل الشهير «لا ناقة له ولا جمل».
لعبة التزوير لا تتوقف، وأحدث صيحة في هذا الشأن هو ما لجأ إليه قبل بضعة أيام شاب من كازاخستان، ووصل إلى مشارف التتويج بتاج ملكة الجمال، عندما قرر أن يلاعب أصدقاءه ويتحدى متخصصين في لجان تحكيم، فلم يضع أي شيء باستثناء الباروكة، أراد أن يُثبت لهم أن الجمال الطبيعي لا يحتاج لكل تلك المستحضرات، التي تستهلك فيها النساء الكثير ليس طبعاً من مدخراتهن، ولكن الأزواج هم الذين يتحملون كالعادة تكبد النفقات.
الجمال هو الهدف في عالم الإنسان والحيوان، ولكن كيف نصل إليه من دون وسائل صناعية؟ عمليات التزوير في الهجن، من الممكن أن نكتشف طبعاً أنها انتقلت لمسابقات اختيار أجمل كلب أو قط، الإنسان هو الإنسان.
«البوتكس» أحال أغلب النساء إلى نموذج واحد، صار الأمر يشكل ظاهرة عالمية، دخل فيها أيضاً الرجال، وهناك مرض نفسي يجعل الإنسان يتحول إلى إدمان حقن «البوتوكس»، وإجراء جراحات التجميل، وذلك عندما يكون غير راضٍ عن ملامحه ونفسه، وهو ليس فقط مكلفاً من الناحية المادية، ولكنه يشكل خطراً جسيماً على صحة الإنسان.
هل يصدق الناس الفنانين باعتبارهم أكبر فئة تلجأ لتلك العمليات، أم هم لا شعورياً يتذكرون أعمارهم؟ مثلاً فاتن حمامة عاشت حتى تجاوزت الـ80، ولم تكن تخجل من الإفصاح عن سنوات عمرها، فهي تعلم أن الناس شاهدوها في دور الطفلة أنيسة مع عبد الوهاب في فيلم «يوم سعيد»، فكيف تهرب من عمرها، فهم شهود عليه، والشاشة صارت وثيقة.
لديكم عالمياً مثلاً ميريل استريب محطمة أرقام الترشح للأوسكار، حصلت عليها 3 مرات، ووصلت هذا العام إلى الترشيح رقم 21، هي من أشد الرافضات لفكرة التجميل لأنها تغير في الملامح وتجعل الجميع أسرى لنمط شكلي واحد تذوب فيه الفروق، كما أن الممثل رأس ماله هو التعبير بالوجه، وتلك الخدود المشدودة و«على سنجة عشرة» لا يمكن أن تنتظر منها تعبيراً، حيث تذوب المسافة تماماً بين الابتسامة و«التكشيرة»، إنه ولا شك تزوير حتى لو لم تطله يد القانون!!