طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«برلين يُقدم»

بين ست لغات رئيسية تتصدر «لوغو» مهرجان برلين، تأتي اللغة العربية بعبارة «برلين يُقدم»، وذلك منذ عدة دورات نجدها في المشهد متألقة طبعاً سبقتها بالضرورة الألمانية والإنجليزية والفرنسية وغيرها، مجرد وجودنا، أراه إنجازاً وخطوة هامة على الطريق، رغم أن نصيبنا من الأفلام والجوائز وطوال تاريخ المهرجان، الذي يصل إلى 68 دورة لا يزال محدوداً جداً.
هذا هو العام الخامس على التوالي الذي أحرص فيه على حضور فعاليات «برلين»، أعلم أنه رقم هزيل بالقياس لعشرات من النقاد سبقوني إليه بأكثر من عشرين عاماً، إلا أن المهرجان يملك في الحقيقة قدراً لا ينكر من الجذب، رغم أن درجة الحرارة دون الصفر بكثير، من يألفه يقع في غرامه، هناك دفء وحميمية في طبيعة الشعب الألماني، من المستحيل أن تكتشفها إلا إذا تعاملت عن قرب.
الشخصية والقضية العربية تقع سينمائياً في الصدارة، الدمار والقتل والتوتر والإرهاب وتفشي ظاهرة اللاجئين و«الإسلاموفوبيا» احتلت في السنوات الأخيرة مقدمة «الكادر» السينمائي، لأنها تهدد العالم كله.
من المؤكد أن العالم العربي يستحق مساحة ومكانة أفضل بكثير، من تلك التي صار مقيداً داخلها ولا يملك حالياً مخرجاً منها.
وجودنا العالمي من خلال قضايانا تنضح به الشاشات في العالم كله وليس فقط في المهرجانات الكبرى، فلقد صار هذا هو الهاجس الدولي، إلا أننا على الجانب الآخر نادراً ما نستطيع أن نوجد بأفلامنا على الشاشات.
لا أتصور أن هناك شيئاً مقصوداً، نظرية المؤامرة هي سلاح «فشنك» نطلقه برعونة لنداري به عجزنا، حتى فقدت الكلمة جدواها، صحيح أنه عبر التاريخ هناك مؤامرات صنعت جزءاً حيوياً من صفحات التاريخ، ولكن ليس كل صفحات التاريخ نتاج بالضرورة مؤامرة.
سألوني في إحدى الفضائيات متى نقف كعرب في المقدمة السينمائية؟ أجبت عندما يرى المواطن العربي نفسه على الشاشة، وتسقط كل رقابة خارجية، وتبقى الرقابة الداخلية للفنان التي تجعله حريصاً أكثر من الدولة على تحقيق الهدف الاجتماعي.
هل نجحنا في أن نعبر عن أنفسنا؟ المسافة لا تزال بعيدة بين الواقع والشاشة، لدينا دائماً هاجس اسمه «المسكوت عنه» نميل إلى أن يظل مسكوتاً عنه، أتذكر أن الكثير من المخرجين تعرضوا لهجوم، وصلت إلى حد المطالبة بإسقاط الجنسية عنهم، مثل يوسف شاهين خاصة بعد فيلم تسجيلي روائي عرضه في مهرجان «كان» قبل نحو 27 عاماً اسمه «القاهرة منورة بأهلها» قالوا إنه ينشر غسيلنا القذر في المهرجانات الدولية، مع الزمن ثبت أن ما قدمه يوسف شاهين هو الأبقى والأروع لأنه كشف زيفنا.
أتذكر كلمة رائعة للدكتور يوسف إدريس «كل الحرية المتاحة في العالم العربي لا تكفي كاتباً واحداً»، لدينا التقنيات ولدينا أيضاً المواهب العربية على شرط أن تُتاح لها فرصة، في برلين قبل عامين شاهدنا المخرج السعودي محمود الصباغ قدم فيلمه الجريء اجتماعياً «بركة يقابل بركة» وكان من أكثر الأفلام - وليس فقط من أكثر الأفلام خليجياً - قدرة على المشاغبة اجتماعياً.
نعم «برلين يُقدم» شعار نقرأه بالعربية يومياً منذ عدة سنوات، سابقاً لكل عرض رسمي، أنتظر في الدورات المقبلة أن نرى مجدداً «برلين يُقدم»، ونعثر على أكثر من فيلم عربي وفي مختلف التظاهرات، هذا هو الحلم الذي أتمناه للسينما العربية، لأنه عندما يشارك أي فيلم عربي في مهرجان عالمي أشعر أنه يمثل بلدي ويمثلني أنا أيضاً!!.