فاي فلام
TT

الروبوتات تسيطر على الفضاء

يرغب الأشخاص الذين يساورهم القلق بشأن احتلال الروبوتات لوظائف البشر في معرفة المجالات التي يحدث فيها هذا الأمر على وجه التحديد. فلقد تمكنت الماكينات من مستويات الذكاء الصناعي المختلفة من الاستيلاء الهادئ على أكثر الوظائف طلباً وجذباً للإعجاب - استكشاف الفضاء.
ولا يتعلق الأمر بأن أغلب الناس لا يستطيعون أن يكونوا رواد فضاء، لكن لأنه ليس هناك ما يكفي من فرص العمل لجميع الناس رغم الرغبة والمقدرة على ذلك. ومن حيث جمع البيانات، لا يمكننا مواكبة الروبوتات، التي خلال السنوات الأخيرة تمكنت من الذهاب إلى أسفل الغطاء السحابي السميك لكوكب المشتري، واستكشاف الأقمار الغريبة لكوكب زحل ببحيرات الميثان الهائلة، ونوافير الجليد العكرة. وعلى مسافة أكثر من 11 مليار ميل من الأرض، وصلت مركبة الفضاء الآلية «فوياجر 1» أخيراً إلى حافة الغلاف الخارجي لجزئيات الرياح الشمسية، وأخذت عيّنة من فضاء ما بين النجوم.
وربما لرحلة الفضاء البشرية أن تبدأ في أن تستمد حافزها من مركبة الملياردير إيلون مسك التي تنطلق في رحلة سريعة وبعيدة حول الشمس. وفي المستقبل، فإن الذهاب إلى الفضاء قد يصبح أقل من الواجبات الرسمية التي يمكن تنفيذها على أيدي حفنة معدودة ومختارة، وأكثر من كونها مغامرة تُجرى بهدف التعلم والمتعة. ومن شأن ذلك أن يستلزم بعض التعديل للمواقف، على اعتبار أن الولايات المتحدة كانت الرائد التقليدي لاستكشاف الفضاء، ونحن شعب متزمت بطبعه، ومحب للمرح بصورة مثيرة للشكوك.
لم تسيطر الروبوتات على الفضاء بأي صورة عدائية. فلا يزال الناس هم الذين يديرون استكشاف الفضاء، باستخدام التكنولوجيا للذهاب بكل جرأة إلى الأماكن ذات الأجواء السامة، والضغوط الساحقة، والأشعة السينية القاتلة، ودرجات الحرارة الفائقة.
إن الكائنات البيولوجية المعروفة بالبشر هي التي يدفعها فضولها الشديد لإرسال هذه البعثات الاستكشافية. يقول تود لوير، عالم الفلك لدى المرصد البصري الوطني لعلوم الفلك في ولاية أريزونا: «لقد استكشفت كوكب بلوتو والمواضع البعيدة من الكون من غرفة مكتبي. ويمكننا اتخاذ القرارات وإجراء التعديلات بطريق التحكم عن بعد. كما يمكننا إرسال البعثات الجديدة بناءً على ما تعلمناه سلفاً». وعندما تنتهي المهام فإن الروبوتات سوف يسكن عملها من دون أسئلة أو شكاوى. فلقد جمعت مركبة كاسيني الفضائية بعضاً من آخر البيانات قبل أن تسقط في رحلتها الأخيرة في فضاء كوكب زحل.
ووفقاً لذلك، أضاف البروفيسور لوير إنه من الممتع للغاية الذهاب لاستكشاف الفضاء. والأمر الأكثر إمتاعاً من الذهاب إلى الفضاء هو زيارة كوكب المريخ. وزيارة هذا الكوكب المجاور ليس حلماً محضاً للسيد إيلون مسك وحده – بل إنه الوجهة المحددة والموصى بها من قبل الأكاديمية الوطنية للعلوم. وفي تقرير صادر عام 2014 بشأن مستقبل رحلات الفضاء، حددت لجنة من الخبراء كوكب المريخ باعتباره الوجهة الجديدة المعقولة التي يمكن إرسال البشر إليها.
وقال جوناثان لونين، الرئيس المشارك للجنة المذكورة وعالم الكواكب من جامعة كورنيل، إن اللجنة خلصت إلى أن العلم وحده ليس كافياً لتبرير إرسال البشر في مهمة إلى المريخ. لكن إرسال البشر إلى المريخ من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة الفرصة لإظهار القيادة في التعاون الدولي السلمي، كما قال، ومن شأنه أيضاً أن يُلهم الرأي العام كثيراً. وبالتالي، فإن مبرر الذهاب إلى المريخ من شأنه أن يجمع بين الأهداف العلمية مع الغايات الاقتصادية والسياسية والتطلعية كذلك.
وما هو «الطموح» إن لم يكن من المصطلحات التي تحظى بالاحترام والمغامرة؟ وقال البروفيسور لونين إن اللجنة قد خلصت إلى أنها سوف تستغرق نحو 30 عاماً أخرى قبل إرسال البشر إلى المريخ، وخلال ذلك الوقت يمكن إحراز التقدم المطلوب في تكنولوجيا الروبوتات بالطرق التي لا يمكن توقعها في الوقت الراهن. فقد تتمكن الروبوتات وقتذاك من أن تجعل الرحلة أكثر أماناً وأفضل بطرق بعيدة عن تصورنا الحالي.
وفي الأثناء ذاتها، سوف تساعد المهام الروبوتية في الإجابة عن الأسئلة الكبيرة. ولا يزال العلماء يأملون في معرفة المزيد عن كيفية تشكيل نظامنا الشمسي. ولا يزال البحث عن الكائنات الفضائية مستمراً، ويتعزز هذا البحث بمفاجآت العثور على أن هناك بحاراً مع احتمال وجود حياة على قمر إنسيلادوس التابع لكوكب زحل، فضلاً عن قمر أوروبا التابع لكوكب المشتري. والآن، وبدلاً من وجود تسعة كواكب فقط في نظامنا الشمسي، لدينا ثمانية كواكب وعشرات من العوالم الأخرى خارج كوكب بلوتو – مثل ميكميك، وكوار، وسيدنا، وفارونا، من بين الكثير. وتغلب على الطبيعة البشرية الرغبة في معرفة ما هنالك، حتى وإن كنا عاجزين عن الذهاب إلى هناك بأنفسنا.
والمركبات التجارية مثل سبيس إكس فالكون هيفي، التي أطلقت برنامج سيارة رودستر لريادة الفضاء، من المحتمل أن تساعد في هذه الجهود، كما قال السيد لونين؛ لأن هناك نقصاً واضحاً في الصواريخ الفضائية القوية مع وفرة كبيرة في الأفكار للمهام الفضائية التي نحتاج إليها. ولقد وضع العلماء خططاً للبعثات المحتملة للنظر عن كثب في تلك الأقمار البعيدة من كوكبَي المشتري وزحل عن دلائل لوجود الحياة، وهناك خطط أخرى لاستكشاف كوكبَي أورانوس ونبتون، وهي البعثات التي تحمل سحرها الخاص منذ عثور رواد الفضاء على الكثير من الأجسام المشابهة لهما في نظم شمسية أخرى.
ربما يمكن إرسال هذه البعثات قبل وقت طويل من الوقت المتوقع لإنتاج السيارة الفضائية رودستر، التي يُنتظر أن تتأرجح في الفضاء بدرجة قريبة وكافية لمشاهدتها من على سطح الأرض – وتقول التقديرات التقريبية إن ذلك سيكون بحلول عام 2073. وإن كان يمكننا الاسترشاد بالتاريخ في أي شيء، فسوف نستمر نحن والروبوتات في استكشاف الفضاء، وإرسال البعثات بغية الإجابة عن الأسئلة الجديدة التي لا يعرف أحد حتى الآن كيف يطرحها.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»