يُعرف عن روسيا تميزها بثروة سياحية فريدة، إذ تنتشر القصور والمعالم التاريخية في معظم مدنها، وخلف كل معلم إما حدث تاريخي هام على مستوى العالم، ومفصلي في تاريخ البلاد، أو قصة إنسانية ما ألهمت كبار الأدباء. وإلى جانب التاريخ ومعالمه هناك الطبيعة الخلابة والتنوع البيئي في المناطق الروسية، الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى عامل استقطاب هام لعشاق السياحة، من جولات في الغابات التي لم تطأها بعد قدم إنسان، في مناطق وسط وشرق وشمال روسيا، إلى نزهات لصيد الأسماك في بحيرات وأنهر ما زالت تنظر بغرابة إلى شباك صيد لم تعهدها من قبل، والكثير الكثير غيره. ومع كل تلك الوفرة والتنوع السياحي في روسيا، لا تزال مدينة سان بطرسبورغ، عاصمة الدولة الروسية حتى مطلع القرن الماضي، تتربع في صدارة الوجهات السياحية الأكثر إقبالاً. يزورها سنوياً الملايين من السياح المحليين والأجانب للوقوف على محطات مثيرة من التاريخ.
في بطرسبورغ تلتقي عظمة التاريخ مع الحاضر، حيث تروي شوارعها وقصورها القديمة حكاية بناء الدولة الروسية، بكل أمجادها ونكساتها، أفراحها وآلامها، ومخاضات اجتازتها في مراحل مختلفة من تاريخ الدولة الروسية. ولعبت الأهمية التاريخية - السياحية للمدينة دورا رئيسيا في تطورها، لا سيما لجهة البنى التحتية والمنشآت الضرورية، مثل المطاعم والمقاهي وشبكات الفنادق، وهذا كله إلى جانب أبنية وإن كانت تبدو حديثة مقارنة بغيرها مثل الإرميتاج، إلا أنها تاريخية لجهة الحدث التي كانت شاهدا عليه. نذكر منها على وجه الخصوص أبنية بدايات الحقبة السوفياتية، وسنوات الحرب العالمية الثانية. هذا كله جعل بطرسبورغ جديرة بالفوز في مسابقة (World Travel Awards) على مدن تحظى بشهرة عالمية واسعة مثل فيينا وروما، وهي الجائزة التي يمكن وصفها بـ«الأوسكار السياحي». فهناك لجنة متخصصة تختار المدينة الجديرة باللقب بناء على معايير مدى الأمان، وتوفر البنى التحية، وشبكات الفنادق والمطاعم وما شابه من أمور. وتجدر الإشارة إلى أن بطرسبورغ فازت أيضا بجائزة «أفضل وجهة للسياحة الثقافية عالمياً» في عام 2016.
لمزيد من الجذب تعتمد شركات الخدمات السياحية حاليا أسلوب «الجولات» على متن الحافلات، أو سيراً على الأقدام لتعريف الزوار بمعالم المدينة، وتاريخها وحكاياتها. آخر موضة لجذب السياح مؤخرا، تعتمد أسطح المنازل بديلا عن الشوارع للجولات السياحية. فقد تم الانتباه إلى أن المباني المرتفعة تُوفر مشاهد بانورامية فريدة تعجز الجولات السياحية التقليدية عن تقديمها. في البداية كان الأمر عشوائيا نوعا ما من ناحية أنه لم يخضع لتنظيم محدد يراعي شروط السلامة والآمان، لكن منذ بضعة أشهر قررت واحدة من شركات المدينة تنظيم «سياحة الأسطح» في بطرسبورغ بشكل يلبي كل شروط السلامة. الآن يمكنك أن تطلب رحلة «أون ذو روف» بسهولة. في حديث لـ«الشرق الأوسط قال رومان رافيلوف، وهو مدير مشارك في الشركة التي حصلت على الترخيص «قمنا باختيار مجموعة أبنية مرتفعة تُطل على القسم القديم من المدينة، ومعالم أخرى لها قيمة تاريخية وجمالية». ولا يخفي أن هذه الجولات ستشهد إقبالا أكبر خلال الصيف نظرا لتحسن الطقس ولوصول أعداد كبيرة من الأجانب لمتابعة بطولة العالم كرة القدم.
وأشار رومان أن المبنى الذي أقيمت على سطحه المنصة البانورامية الأولى مبنى قديم استخدمه الجيش الأحمر إبان الحرب العالمية الثانية لنصب رشاشات دفاع جوي لحماية المدينة وهذا ما يجعله نقطة جذب بحد ذاته.
وتبدأ الجولة هنا بعرض الدليل السياحي لتاريخ المبنى ليكون الجزء الأهم عند الوصول إلى المنصة لمشاهدة المدينة من أعلى. تقول الشابة جوليا، التي أتت من أقصى شمال روسيا، في أول زيارة لها إلى عاصمة «بطرس الأكبر»، إن المدينة تحفة بكل ما فيها «فخلال أسبوع زرت كل المعالم التاريخية، وتعرفت على أماكن شهدت أحداثا أعرفها من كتب التاريخ». إلا أن مشاهدة المدنية عبر جولة «أون ذي روف» تركت انطباعات مميزة، وفق ما قالت جوليا لـ«الشرق الأوسط»: «في لحظة معينة وأنت تقف أعلى المدينة، تشعر بداية برهبة المكان، لأنك تقف في مكان يُذكر بأبطال دافعوا عن المدينة. وفي لحظة أخرى تنتقل إلى شوارع بطرسبورغ والساحات قرب القصور وتتخيل مشهد الجموع التي احتشدت قرب القصر الشتوي خلال الثورة البلشفية، بينما يروي الدليل السياحي تلك التفاصيل التاريخية المرتبطة بالمكان، ومع أنني أعرف كل ذلك التاريخ». كل من عاش التجربة يوافق جوليا بالرأي بأن مشاهدة المدينة من أعلى يختلف تماما عما يمكن توقعه، لأنه انصهار مع التاريخ والحدث.
أطلق على المدينة اسم «بطرسبورغ» نسبة للقديس بطرس، المعروف أيضاً باسم القديس سمعان بطرس، وهو واحد من التلاميذ الاثنا عشر، ومات في النصف الثاني من القرن الأول ميلادي. إلا أن كثيرين أخذوا لاحقا يربطون اسم المدينة باسم بطرس الأول، أو بيوتر الأكبر، وهو خامس قياصرة روسيا من سلالة رومانوف، وآخر من حمل لقب «قيصر عموم روس»، ومن ثم أصبح أول من يحمل لقب إمبراطور «سائر الأراضي الروسية». حكم روسيا منذ عام 1672 وحتى 1725. ويشكل الإرث العمراني والثقافي والتاريخي الذي خلفه بطرس الأول، فضلا عن الأحداث التاريخية الهامة في عصره، أحد أهم عوامل الجذب السياحي في المدينة. ما يعرف عن بطرس أنه من أعظم الحكام في تاريخ البلاد، يطلق عليه لقب «باني الدولة الروسية»، ويعود له الفضل فعلا في تكامل روسيا مع الثقافة الأوروبية. فقد استعان بمهندسين من بريطانيا وهولندا ودول أوروبية أخرى في بناء قصور بطرسبورغ. كما أنه أول من بنى أسطولا بحريا لروسيا، فتح أمامها الأبواب لتصبح قوة أوروبية عظمى، فضلا عن حروب خاضها، وإصلاحات داخلية مالية وسياسية، جعلته يحظى بجدارة بلقب باني الإمبراطورية الروسية.
فنادق ومطاعم
> حالها حال معظم «عواصم» السياحة العالمية، تنتشر في سان بطرسبورغ مئات الفنادق والمطاعم والمقاهي. الفرق أنها هنا مثل فواصل عصرية تطل على التاريخ. ومع أن بعضها مصنف ضمن فئة «خمس نجوم»، والبعض الآخر ضمن فئات أقل، فإنها كلها تتوفر على مستوى خدمات عالية.
- من هذه الفنادق نذكر «أستوريا»، الذي يقف على طرف ساحة القصور قرب الإرميتاج، والقصر الشتوي الشهير وسط المدينة. ويعتبره بمعماره معلماً تاريخياً إلى حد ما، إذ افتتح في عام 1912، ليتسع اليوم لأكثر من 350 ضيفاً. وتختلف قيمة الباقات التي يعرضها الفندق حسب الموسم. في فصل الشتاء مثلاً، يقدم باقة لا تشمل وجبات الطعام بسعر 300 دولار عن كل ليلة، في غرفة «سوبر ديلوكس» لشخص واحد.
- هناك أيضاً الفندق الذي حصل على اسم «الفندق الرسمي لمتحف الإرميتاج»، وافتتح رسمياً في عام 2013، في مبنى يعود تاريخه إلى الثلاثينات من القرن التاسع عشر. وأهم ميزات فندق الإرميتاج ديكوراته الداخلية التي تجعل منه «تحفة فنية» تُذكر بالحياة في قصور الأباطرة الروس. ويوفر موقع الفندق إمكانية لزيارة كل المعالم التاريخية في المدينة. وكما كان يقدم الطعام للقياصرة، هناك مطعم «كاتيرينا العظيمة»، وهو متخصص في المطبخ الروسي، باعتماده وصفات مأخوذة من القصر الشتوي في عهد القياصرة.
- قريباً من ساحة القصور، وسط المدينة، يقع مطعم متخصص بالمطبخ التقليدي لشمال روسيا، اسمه «مطعم سيفريانين»، أي «ابن الشمال»، ويوفر المطعم أجواء مناسبة لتناول وجبة لذيذة وسريعة، أو تناول وجبة في أجواء رومانسية، وقد تم تصميمه على طراز الشقق السكنية نهاية القرن التاسع عشر مطلع القرن العشرين، ويقدم كبير الطهاة فيه وجبات معظمها من المطبخ التقليدي لمناطق شمال روسيا، أغلبها بلحم السمك ولحوم الرنة وأنواع من الطيور والفطر، أي أن المكونات معظمها من البيئة الطبيعية لمناطق الشمال الروسي.
- هناك أيضاً شبكة مطاعم «بيلمينيا»، التي تتخصص بتقديم وجبات تحمل الاسم نفسه، وهي وجبة اللحم في العجين، ويُطلق عليها في بلاد الشام وتركيا ودول أخرى «شيش برك».
- وإلى جانب شبكات مطاعم «المطبخ الروسي»، هناك شبكات مطاعم أوروبية، نذكر منها مطعم «تروسكان غريل»، الذي يقدم للزوار وجبات «بحرية» بصورة رئيسية، مع وجبات من لحوم العجل.
- ومن إيطاليا، تقدم شبكة مطاعم «آمو» وجبات مميزة، تعتمد بصورة رئيسية على الخضراوات المستوردة من إيطاليا، فضلاً عن الثروة الغذائية التي يوفرها البحر الأبيض المتوسط.