طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

طعم الأكاذيب أحياناً أحلى!

عازف الأوكورديون الشهير، أصبح في السنوات العشر الأخيرة لا يكف عن ترديد تلك الشائعة، طبعا هي من وجهة نظري أنا شائعة، بينما هو يعتبرها الحقيقة التي لا يمكن لأحد التشكيك في صدقها.
يؤكد عازف الأوكورديون في العديد من أحاديثه، أن كل (الصولوهات) يقصد العزف المنفرد، له سواء لأغنيات أم كلثوم أو عبد الحليم هي من بنات أفكاره، وأن كلا من محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي، كانا يتركان له مساحة من الإضافة، يقدم النغمة التي تحلو له، بينما اللحن منسوب لهما.
السؤال المنطقي، لماذا لم يقل ما يعتبره حقيقة، وكل منهما كان بيننا، رحل عبد الوهاب عام 1991 وبليغ بعده بعامين، فكانت الفرصة مهيأة للعازف لكي يعلن أمامهما ذلك، خاصة أن عددا لا بأس به من أعضاء الفرقة الموسيقية، كانوا على قيد الحياة، وبالتالي من الممكن التأكيد أو النفي.
أعلم أنه ومنذ الخمسينات وهناك العديد من الاتهامات بالسرقة الفنية قد طالت محمد عبد الوهاب، واجهها عبد الوهاب في حياته واعترف فعلا في أكثر من تصريح له، بأنه تأثر ببعض أعمال موسيقية غربية، وطعمها في موسيقاه الشرقية بنبض من إبداعه، أي صار لها مذاق خالص، حتى لو كان الأصل غربيا.
كما أن أكثر من ملحن معاصر لعبد الوهاب، سبق أن اتهمه بالسرقة الموسيقية، بل لقد تعرض عبد الوهاب لاعتداء أحد هؤلاء الذي حاول إحداث جرح غائر في وجهه وهو في طريقه للمصعد لولا أن الله ستر في اللحظات الأخيرة، لم يتمكن أحد من إثبات أي اتهام بالسرقة ضد عبد الوهاب، وظلت كل هذه الأحاديث مجرد شائعات يعوزها الدليل القاطع.
تحليلي أنه مع مرور الزمن ومع اختفاء شهود الإثبات أو النفي ممن عاصروا الواقعة، ينشط بداخل البعض الرغبة في كتابة التاريخ مجددا ومن خلال وجهة نظرهم فقط، كانوا على أطراف الدائرة، فلماذا لا يصبحون هم في البؤرة يحركون كل الخيوط؟ تختلط بداخلهم الحقيقة بالأكاذيب، هم لا يكذبون هكذا يظنون، فقط يرون الحقيقة، أو ما تبقى منها، وهي مزيج من الآمال والإحباطات، وهكذا كثيرا ما تجد مساعد مخرج، يروي للناس أنه كان مخرج الفيلم وذلك في أعقاب رحيل المخرج الذي قرأنا اسمه على (التترات)!
أحد عازفي الكمان قال إنه أيضا هو الذي وضع المقدمة الموسيقية للحن «قارئة الفنجان» المنسوب لمحمد الموجي.
كل ما هنالك أن الموجي لا يكتب النوتة الموسيقية، مثل العديد من ملحني ذلك الزمن، بل في الزمن الحالي أيضا يتم الاستعانة بعدد من العازفين الدارسين لكتابة «النوتة»، وكان عبد الحليم حافظ يثق بذائقة هذا العازف الموسيقية، ومن الممكن أن يشارك في ترجيح نغمة يبدعها الموجي، عن نغمة أخرى أيضا للموجي والمفاضلة هنا لا تعني قطعا الاشتراك في التلحين، مثلا مرة طلب يوسف شاهين من الملحن كمال الطويل أن يحذف موتيفة (تير لم ترلم) التي تسبق غناء محمد منير كلمة (ترقص... أرقص) من أغنية (علِّي صوتك بالغنا)، وبعد مناوشات كلامية استجاب الطويل لرأي يوسف شاهين، فهل ينسب لحن الطويل ليوسف شاهين.
عازف الأوكورديون لا يترك برنامجا إلا ويكرر أنه الملحن وليس فقط العازف، بعد أن وجد أن هناك من يصدقه بل ويطالبونه بالمزيد، ولسان حالهم يقول (أعد)، طعم الأكاذيب مع الأسف صار يثير شهية مشاهدي برامج (التوك شو)!