زيد فيصل بن كمي
صحافي سعودي، مساعد رئيس تحرير جريدة «الشرق الأوسط»
TT

حمد بن جاسم... والتاريخ الذي لا يرحم

خرج وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، عبر حسابه في «تويتر» قبل أيام مغرداً «لم نعقد اجتماعات وراء الكواليس لا في البحر ولا في البر، ولَم نضع خططاً سرية لإرضاء الطرف الإسرائيلي وتقرباً للدول الكبرى على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة»، وأضاف متباكياً على القدس أنه نصح بعدم التنازل عن الحقوق الفلسطينية والإسلامية في مدينة القدس.
حقاً، كما قلت يا شيخ حمد، التاريخ لن يرحم ولن ينسى ما دوّنه سامي ريفيل، وهو أول دبلوماسي إسرائيلي يعمل في قطر، وأول رئيس مكتب لتمثيل المصالح الإسرائيلية في الدوحة، أن قطر كانت البادئة والأحرص والأكثر تمسكاً بالعلاقات مع إسرائيل أكثر من تل أبيب نفسها.
لن ينسى التاريخ يا شيخ حمد في الوقت الذي كانت فيه انتفاضة الأقصى تشتعل في فلسطين دعوتم ممثل إسرائيل لحضور القمة الإسلامية عام 2000 في الدوحة لتقاطع السعودية تلك القمة.
لن ينسى التاريخ يا شيخ حمد حينما سعيتم بكل قوة إلى إفشال مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز (كان ولياً للعهد السعودي يومذاك) بشأن تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية شريطة الانسحاب إلى حدود 1967، التي أطلقها عام 2001 وتبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002، لتصبح المبادرة العربية الوحيدة حتى اليوم، لتشتعل قناة «الجزيرة» من الدوحة طوال عام كامل مطلقةً الاتهامات بخيانة الرياض للقضية الفلسطينية!
لن ينسى التاريخ يا شيخ حمد أنه في نفس اليوم (27 مارس «آذار» 2002) الذي نجحت فيه السعودية لتتبنى القمة العربية في بيروت مبادرتها للسلام لتكون «المبادرة العربية للسلام»، قامت حركتا «الجهاد الإسلامي» و«حماس» المدعومتان من قطر وإيران، بإرسال أحد أتباعهما ليفجر نفسه في غرفة طعام فندق «بارك» بمدينة نتانيا، ما تسبب في قتل 30 إسرائيلياً وجرح 160 آخرين، لتتفجر أزمة في فلسطين ويصدر أرئيل شارون أوامره بتشديد الخناق على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وإعادة احتلال الضفة الغربية، ومن ثم وقعت مجزرة جنين التي راح ضحيتها نحو 500 شهيد فلسطيني أغلبهم نساء وأطفال.
لن يرحم التاريخ يا شيخ حمد، حينما قام الملك عبد الله بزيارة أميركا وفاجأ الرئيس السابق جورج دبليو بوش، بتبنيه القضية الفلسطينية ووضع العلاقات السعودية - الأميركية على المحكّ لفك الحصار عن الرئيس الفلسطيني ووقف المجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، (ذكر جمال هلال وهو مترجم ومستشار سابق في البيت الأبيض في مقابلة مع «العربية» أن «الملك عبد الله فاجأ الجميع بأنه تبنى القضية الفلسطينية بشكل لم نتعود عليه من قبل، حيث طلب من الإدارة الأميركية التحرك لفك الحصار عن الرئيس الفلسطيني وإلا فإن عدم التحرك قد يهدد العلاقات السعودية الأميركية») وهو ما تم بعد 3 أيام من القمة السعودية - الأميركية، لتخرج يا شيخ حمد بن جاسم في تصريحات صحافية تقول «نحن نتوسل المجتمع الدولي لتتوقف الحرب!».
التاريخ لن يرحم يا شيخ حمد، حينما عمدت الدوحة إلى إعلان «قمة غزة» الطارئة التي عُقدت في الدوحة بتاريخ 16 يناير (كانون الثاني) 2009، ودعت الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد لحضور تلك القمة، في محاولة لإفشال قمة الكويت العربية التي كانت مقررة بتاريخ 19 يناير 2009، ونجحت قمة الكويت العربية الاقتصادية، لتخرج يا شيخ حمد قائلاً: «إن الرئيس الفلسطيني رفض حضور قمة الدوحة لأن حياته مهددة»، وقلت في مؤتمرك الصحافي: «قال لي أبو مازن إذا حضرت سأقتل نفسي من الوريد إلى الوريد»، وكانت خطة من الدوحة للتلاعب بالقضية الفلسطينية لترسل الطائرة القطرية لاستضافة الفصائل الأخرى، التي لا تمثل الشعب، ليكون الرد من ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قائلاً: «إن الرئيس عباس أبلغ أمير قطر (الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني آنذاك) اعتذاره عن عدم المشاركة». ورأى عبد ربه أن «التلاعب بالتمثيل الفلسطيني هو تجاوز للخطوط الحمر، ولا يستطيع أحد أن يمس بالتمثيل الفلسطيني، وما حصل ذلك اليوم هو مهزلة».
هذا غيض من فيض يا شيخ حمد، ويبقي أن أقول: إن التاريخ لن يرحم، والأيام حبلى بالكثير.