الأرقام التي تحققها الأفلام مهمّـة لأنها تدل على رغبات الجمهور وقدرة الفيلم المُـنتج على التواصل معه. لأنه أيضاً، كما الحال في الفيلم الجديد «بلاك بانثر»، قراءة في مجمل العمل الجديد ومعناه المتمثل فيه كما في ذلك النجاح أيضاً. حتى مطلع الأسبوع الحالي بلغت إيرادات «بلاك بانثر» العالمية ملياراً و71 ألف دولار، بينها، وحتى كتابة هذه الكلمات، 571 مليون دولار في الولايات المتحدة. ليس فقط أنه سبق سواه من أفلام النوع (أفلام السوبر هيرو المقتبسة عن شخصيات الكوميكس) بل أنجز في أقل من شهر ما لم ينجزه معظمها، كما أنه دخل الصين هذا الأسبوع وحصد 55 مليون دولار.
- بطل أفريقي
على الشاشة الكبيرة تتلاحق المشاهد المكوّنة لهذا الفيلم غير المتوقع. يبدأ بعملية تعريف موجزة لموقع الأحداث (بلد خيالي في الجزء الشرقي غير الساحلي لأفريقيا اسمه واكاندا)، ثم ينطلق الفيلم في قصّـة تلتقي وتختلف مع باقي قصص القوى الخارقة. تلتقي بأن بطلها هو «سوبرهيرو» آخر لجانب أترابه مثل «باتمان» و«سوبرمان» و«سبايدر مان» وتختلف في أن قضية هذا البطل ليس إنقاذ أميركا من دمار محتمل، ولا القضاء على منظمة دولية تهيمن على مقدّرات الإنسان الغربي، بل تتمثل في أن الحل يجب أن يكون سلمياً.
خلال الفيلم سيؤكد بطله أن الغاية هي فرض السلام عبر المفاوضات من مركز قوّة. هذا الفيلم الذي يضع شخصية «بلاك بانثر» في البطولة لأول مرّة (ظهر شخصية سنيّدة في مسلسلات كوميكس سابقة)، مشغولاً بتحضير البيت (الوطن) لمثل هذه الغاية. على أفريقيا، القارة الكبيرة التي تقع فيها معظم الأحداث، أن تنتصر على العداوات القائمة فيما بينها من قبل أن تمارس تأثيرها الكبير على مجريات العالم. والمهمّـة، حسب الفيلم، ليست سهلة بل تأخذ الحيز الأكبر من الأحداث. الأشرار البيض قلّـة ويُـبادون في موقع ما قرب منتصف الفيلم وليس في آخره.
الذي يقوم بدور الإبادة ليس البطل، بل شرير أسود من أصول القارة ذاتها، وهو من سيناصب «بلاك بانثر» العداء حتى المعركة الأخيرة. وفي كل ذلك أبعاد سياسية غير لم يتم التطرق إليها من قبل، خصوصاً أن الفيلم لا يغفل عن دور الإنسان الأبيض في استعمار أفريقيا وتمزيقها وشحن أبنائها عبيداً إلى مختلف أنحاء القارة الأميركية. ولا عن أن مستقبل أفريقيا يكمن في وحدتها وليس في شتاتها.
واكاندا بقيت دولة غير مكتشفة بالنسبة لأوروبا مموّهة بغلاف من السرية المطلقة بفضل حاجز هولوغرافيكي (طاقة غير منظورة متعددة الأبعاد)، وهذا ما جعلها قادرة على التطور الصناعي والتكنولوجي في حين كانت باقي دول القارة واقعة تحت «القمع الاستعماري» حسب وصف الفيلم.
في مطلع الفيلم هناك معركة على السُلطة. تشالا الملقب ببلاك بانثر (شادويك بوزمان الذي لعب الدور ذاته سنداً لبطليه روبرت داوني جونيور وكريس إيفانز في «كابتن أميركا: حرب أهلية، 2016) عليه الدخول في معركة للاحتفاظ بملكه بعد موت والده. المتحدي زعيم قبيلة أخرى (أسمها جاباري) وهو يخسر المعركة الشرسة ويعلن استسلامه.
- شجون هذا العالم
موقع المعركة فريد: قمّـة جبل صخري مرتفع وفي مساحة غارقة في الماء عند حافة هاوية سحيقة. وإلى هذا الموقع سنعود في معركة ثانية ستدور هذه المرّة بين تشالا وغريم جديد اسمه كيلمونغر (مايكل ب. جوردان)، وهذا الأخير لا يعيش في واكاندا، كما حال الغريم السابق، بل أميركي من أصول أفريقية يعمل لحساب «سي آي إيه» منفذ عمليات قتل. شرط المعركة أن يتخلى تشالا عن قواه الخارقة لكي يكون القتال متكافئاً، وإذ يفعل ذلك يكتشف تشالا متحدياً لديه من القوّة البدنية ما يتسبب بالإطاحة به. تشالا يقع من ذلك العلو الساحق وكيلمونغر يستولي على الحكم رغم استياء طاقم الحكم.
كيلمونغر لديه خطة عمل منافية لتلك التي ثابر تشالا عليها وهي الكشف عن واكاندا كدولة واستخدام قوّتها المدمّـرة التي تم صنعها في الخفاء للنيل من الغرب. في ذلك يستند إلى موقف سياسي وإنساني وجد نفسه فيه منذ مولده. لقد تحمّـل تاريخ أجداده من العبودية ويعيش شاهداً على تفرقة عنصرية ما زالت حيّـة وما قيامه بتنفيذ عمليات القتل إلا بلورة لكرهه المكتسب لكل ذلك. لكن تشالا لم يمت وقبيلة أخرى وجدته واعتنت به، وها هو يعود إلى العمل ويستعيد قدراته الفائقة وينازل كيلمونغر من جديد ويهزمه ومعاونيه بمساعدة المخلصين من أتباعه والقبيلة المساندة.
المعركة ليست مجرد نزال بين قوّتين، بل نزال بين قوّة كل منها لديها مفهومها لرسالة واحدة: تحقيق عدالة غائبة، لكن الطريقة تختلف. ما هو مختلف أيضاً هو أن عتاد تشالا من المؤيدين هو في غالبه من النساء المحاربات. الفصل الأخير من المعارك يرتفع لا بالفيلم فقط (بعد بداية بليدة)، بل بهذا البعد أيضاً. بذلك يأتي الفيلم على استكمال حلقة كاملة من البدائل الاجتماعية والسياسية والإنسانية عما تفرضه الأفلام الأخرى.
نعم «ووندر وومان» (بدورها نتيجة شخصية كوميكس أخرى) من بطولة عنصر «ضعيف» آخر هو المرأة، لكن ذلك الفيلم الذي شاع في العام الماضي (قامت ببطولته غال غادو) لا تملك قضية كبيرة توازي شجون هذا العالم كما أنها امرأة بيضاء (كذلك معظم طاقمها)، وإذا ما تمعنت في الفيلم تجد أن استبدالها برجل أبيض، لو تم، لما تسبب في إلغاء باقي الصفات الأخرى.
مخرج «بلاك بانثر» هو الأفرو - أميركي (أيضاً) رايان كوغلر (Creed الذي قام مايكل ب. جوردان ببطولته) الذي لم يسبق له أن تعامل مع مؤثرات الديجيتال الكومبيوتر من قبل؛ لذلك لا يمكن منح الفيلم علامات عليا على صعيد تقنياته تلك، علماً بأن الفيلم في تكوينه المكاني وعناصر مشاهده الغالبة تطلب شغل الـCGI (التجسيد الصوري للكومبيوتر غرافيك) بنسبة تفوق 70 في المائة من مشاهده. لكن ما يعوض هذا النقص قدرة الفيلم على اعتبار أن هذه المؤثرات وسيلة درامية لإبلاغ الحكاية أكثر منها نماذج صناعية وديكورات مؤثرة.
وحسناً فعل المخرج، الذي شارك في كتابة السيناريو مع جور روبرت كول نقلاً عن شخصية ابتدعها في الستينات ستان لي وجاك كيربي، باستبعاد أي تكرار لعلاقة عاطفية تفرض نفسها على الأحداث. يتزوج تشالا ممن يحب، لكن من دون مداولات غرامية بينه وبين زوجته، أو بين أي من الحرس النسائي المحيطين به وآخرين إلا في حدود تشبه، حجماً، النظر من شق في نافذة.
البيض متواجدون في أدوار ثانوية (كما كان السود وما زالوا في أفلام النوع عموماً): أندي سركيس (عراقي الأصل) في دور الشرير الأبيض الذي يسرق جزءاً من العنصر الهولوغرافي ومارتن فريمن هو عميل «سي آي إيه» الذي يجد نفسه جزءاً من طاقم بلاك بانثر ويحارب من أجله.
- بعض التاريخ
> تم تأليف ونشر شخصية «بلاك بانثر» على صفحات مجلة «مارفل» للكوميكس سنة 1966 بصفته واحدة من شخصيات «فانتاستيك فور»، وبذلك سبق سواه من شخصيات سوداء مثل «فالكون» و«لوك كايج» وBlade
> اسم Black Panther في الكوميكس سبق تأسيس الجماعة السوداء التي عرفت بالاسم ذاته في مطلع السبعينات ولا علاقة تربط بينهما.
8:18 دقيقة
«بلاك بانثر» أنجز ما عجز عنه غيره... ودخل الصين بقوة
https://aawsat.com/home/article/1206046/%C2%AB%D8%A8%D9%84%D8%A7%D9%83-%D8%A8%D8%A7%D9%86%D8%AB%D8%B1%C2%BB-%D8%A3%D9%86%D8%AC%D8%B2-%D9%85%D8%A7-%D8%B9%D8%AC%D8%B2-%D8%B9%D9%86%D9%87-%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D9%87-%D9%88%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D9%82%D9%88%D8%A9
«بلاك بانثر» أنجز ما عجز عنه غيره... ودخل الصين بقوة
إيراداته العالمية حتى الآن مليار و71 ألف دولار
- لوس أنجليس: محمد رُضا
- لوس أنجليس: محمد رُضا
«بلاك بانثر» أنجز ما عجز عنه غيره... ودخل الصين بقوة
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة