مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الوقوع في «حيص بيص»

أحدهم وضعني في (كورنر) - أي حاصرني في زاوية وضيّق عليّ الخناق - قائلاً لي: أنت تكتب أي كلام و(تهرف بما لا تعرف)، وإني أريد أن أختبرك وأطرح عليك عدّة كلمات، وإذا كنت (رجلاً) أجبني عليها. الواقع أنني انزعجت من وصفه لي، فقلت له إنني على أتم الاستعداد على شرط أن تسحب وصفك الذي أنعمت به عليّ. ضحك من شرطي واعتذر قائلاً: ها أنا ذا أسحبه، ولكن فسر لي هذه الكلمات العربية الفصيحة يا فالح. قلت له: هاتها فأنا (قدها وقدود)، قال:
ما معنى: قرقفة، نضنضة، دليف، أرقال، سنوح، سلى، ارتكاض، تنوس، دلف، سعره، جواس.
كانت كل كلمة من تلك الكلمات يطرحها عليّ، أجيبه بمطّة من برطمي الأسفل، علامة على أنني لا أدري، وكل مطة مني، تقابلها ضحكة ساخرة منه على جهلي.
تعوذ من إبليس بعد أن مسح دمعة طفرت من عينه من شدة (السخسخة)، ثم قال:
أريد أن أهونها عليك: هل تعرف ما هي (البصبصة)؟!، عندها جلست على ركبة ونص قائلاً له:
أفّا عليك، هذه من اختصاصي، خصوصاً إذا شاهدت سرباً من الغيد الحسان، عندها تنهد وزفر قائلاً: الآن تأكد لي حقاً أنك (أجهل من صافرة). إن البصبصي يا محترم كناية عن بصيص أي صوت الكلب عندما يحرك ذنبه، هل فهمت ولاّ أعيدها لك مرة ثانية يا، يا، يا (بتاع النسوان)؟!
عندها تربعت على الأرض قائلاً: سبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.
وخطر على بالي تقرير نشرته جريدة «مكة» بعنوان: «اللعاعة والغبين في خطب الحرمين»، مستعرضة بعض الكلمات في خطب الجمعة لتسعة من الأئمة، وعرضتها على ثلاثة متخصصين في اللغة، مع ثلاثة من النخب الثقافية، دون الرجوع إلى المعاجم، ووقع جميعهم مثلي في «حيص بيص».
وها أنا ذا بدوري أطرحها على الأعزاء القراء ليجيبوا عنها، وهي كالتالي:
تتطن، الأحوذي، قنّة، تغبأها، يترى، كلاوتها، فريّ، بوحك، التمعّر، امتراء، معافسة، الرخيمة، الاعتياض، بطرين، المتضمخ، المكرع، الحوباء، الرائم، عررا، الجث، السخيمة، أطراحاً، الأزدلاف، القطمير، الدابق، تحضيض، احتقبت.
الآن اسمحوا لي يا سادتي أن أخرج من هذه (الفوازير) وأقول:
إن اللغة (كائن حي) يجب أن تساير العصر وتقترب من أفهام الناس، وليس هناك أعظم وأشرف من كتاب الله الكريم، عندما نزل على سيد الخلق بالمفردات نفسها التي كان يتحدث بها الناس في ذلك الزمن، حتى لو دخلت بها قليل من الكلمات الأعجمية، لأن العرب قد عربوّها وتداولوها، فاللغات كلها تتلاقح.