تباينت ردود الفعل على تعيين الرئيس الأميركي دونالد ترمب لجون بولتون بديلاً للجنرال هيربرت ماكماستر مستشاراً للأمن القومي، بين رافض ومرحب، لمواقفه المتشددة إزاء روسيا، ودعمه لشن الحرب على كوريا الشمالية، ومعارضته الشديدة للاتفاق النووي.
ويعتبر جون بولتون أحد قادة «الصقور» في صفوف الجمهوريين، وقد شغل منصب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة لمدة 18 شهراً في 2005 و2006، في عهد جورج بوش الابن، وتم تداول اسمه كمرشح لتولي حقيبة الخارجية أو الأمن القومي في بداية ولاية ترمب، الذي لم يضن عليه بنصائحه في ملفات حساسة، مثل إيران وكوريا الشمالية، مستفيداً من كونه محللاً لدى «فوكس نيوز».
وتوالت تهاني الجمهوريين لبولتون بمجرد إعلان ترمب عن تعيينه، وقد أشاد السيناتور الجمهوري ليندساي غراهام بخيار الرئيس، الذي وصفه بأنه «نبأ سار لحلفاء أميركا، ونذير شؤم لأعدائها».
وعلى غرار وزير الخارجية المعيّن مايك بومبيو، والسفيرة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، يمثل بولتون جزءاً من أولئك الذين يدعون إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، الذي أبرمته الدول الكبرى مع طهران في 2015؛ وهو موقف يتناسب مع وعود ترمب الانتخابية، الذي هدّد بالانسحاب من الاتفاق في حال عدم تعديله لجهة تشديده.
وسيتقلد بولتون منصبه قبل 5 أسابيع من الموعد النهائي المقرر لتأكيد واشنطن التزام طهران بالاتفاق النووي، يوم 12 مايو (أيار). وقد هدد ترمب بالخروج من الاتفاق ما لم تلتزم إيران بروحه. كما أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب كوركر، أنه يعتقد أن ترمب سوف ينسحب من الاتفاق النووي مع إيران بحلول مايو.
ودعم بولتون موقف الرئيس الأميركي منذ البداية، ووصف في عدة مقالات الاتفاق النووي مع إيران بأنه «أسوأ صفقة في التاريخ»، داعياً إلى «عدم التفاوض مع الإرهابيين» والتراجع عن الصفقة. ويؤكد المحللون أن مجيء بولتون إلى منصب مستشار الأمن القومي يعني أن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران سيكون إحدى أولى مهامه.
وقد ذهب بولتون أبعد من ذلك، ودعم المعارضة في «الإطاحة بالحكومة الحالية في إيران»، وقال إن «الحل الوحيد على المدى الطويل هو تغيير النظام في طهران، وآية الله هو الخطر الرئيسي على السلام والأمن الدوليين في الشرق الأوسط». وأضاف بولتون: «لا أعتقد أن النظام (الإيراني) لديه شعبية، لكنه يملك السلاح، وهناك طرق لمساعدة المعارضة، وهذا لا يشمل استخدام القوة العسكرية الأميركية، وإنما مساعدة المعارضة على تغيير الحكومة».
وحث بولتون مراراً الولايات المتحدة على مساعدة إسرائيل في قصف إيران، أو ترك إسرائيل تفعل ذلك وحدها، وتحدث عن ضرورة الرد على إيران عسكرياً، حتى في الفترة التي كانت إدارة أوباما تتفاوض فيها مع الجانب الإيراني حول الاتفاق النووي.
وفي إسرائيل، لاقى تعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي الأميركي ترحيباً علنياً واسعاً من قادة حكومة اليمين في إسرائيل، الذين يعتبرونه صديقاً حقيقياً لإسرائيل، ومن أشد مناصريها في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، يشير هؤلاء بصوت خافت إلى زيادة نفوذ القوى التي تتخذ مواقف حازمة ضد إيران، مما يعني زيادة أخطار حرب في المنطقة، ستكون إسرائيل طرفاً فيها، حتى لو لم تبادر إلى المشاركة.
وتقول هذه المصادر إنه سيكون على إسرائيل أن تبذل جهوداً كبيرة لمواجهة خطر قصفها بالصواريخ الإيرانية، في حال نشوب الحرب. وهذا يعني ضرورة إعداد الملاجئ وكل المرافق في الجبهة الداخلية. وأكدت مصادر سياسية وعسكرية أن السياسيين اليمينيين الذين أصبحوا يحيطون بالرئيس ترمب، يؤيدون بغالبيتهم توجيه ضربة عسكرية لإيران، وأن طهران ستجد أهون وسيلة للانتقام بقصف إسرائيل.
وأثنى السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، داني دنون، على تعيين بولتون، وقال إنه «أحد أهم أصدقاء إسرائيل طيلة سنوات ظهوره في السياسة الأميركية»، وأضاف: «لقد التقيته من قبل، وكذلك التقيته خلال شغلي لمنصبي الحالي؛ تحدثنا واستشار أحدنا الآخر، وهو يملك معرفة واسعة بالأمور التي تتعلق بدولة إسرائيل، ويقول ما يجب قوله بصورة واضحة».
وتابع دنون: «في الشأن الإيراني كذلك، كان بولتون نائباً لوزير الخارجية، والمسؤول عن منع انتشار السلاح النووي. فمن ناحيتنا، نرى هذا التعيين مفيداً. إن الرئيس ترمب يعمل مع الأشخاص الذين يرى أنه من المريح له العمل معهم؛ بولتون يملك المعلومات الوفيرة، ويمكنه انتقاد المواقف، لكن المعلومات والمعرفة يمكنها أن تخدم الرئيس».
واعتبر دنون أن «بولتون وبومبيو من الذين اتخذوا مواقف واضحة من الاتفاق النووي مع إيران، وانتقدوا إدارة أوباما؛ هؤلاء يعملون بنشاط أكبر من خلية نحل، وهم من أشد المعارضين لتقديم تنازلات لإيران».
ومن جهته، كتب وزير التربية والتعليم رئيس حزب المستوطنين «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، على حسابه في موقع «تويتر»، أن الحديث يدور عن «تعيين ممتاز لجون بولتون، خبير أمني متميز ودبلوماسي رفيع وصديق وفي لإسرائيل، بالنجاح جون».
وكتبت رفيقته في الحزب، وزيرة القضاء، أييلت شاكيد، أنه «يواصل الرئيس ترمب تعيين أصدقاء إسرائيل الأوفياء في المناصب الرفيعة، وجون بولتون من أبرزهم، خصوصاً أنه يملك الخبرة والتجربة وصفاء الذهن. إدارة ترمب تثبت يوماً بعد يوم أنها الإدارة الأكثر مناصرة لإسرائيل». وكان المسؤولون في الحكومة الإسرائيلية قد رحبوا أيضاً قبل عشرة أيام بإقالة وزير الخارجي الأميركي ريكس تيلرسون، وتعيين مدير «سي آي إيه» مايك بومبيو، الصقر الجمهوري، مكانه. ويرون الآن أن الدائرة اكتملت في واشنطن لصالح إسرائيل. وقام موقع «القناة السابعة» اليميني باستعراض لأهم تصريحات بولتون الأخيرة، ليبينوا أنه متحيز لإسرائيل، فذكروا أنه يؤيد تفكيك الأنظمة السياسية في بلدان مثل إيران وكوريا الشمالية، وتصريحه في سنة 2015 بأن طهران لن تقتنع بالتراجع عن مخططها النووي إلا إذا تم قصفها.
وفي المقابل، عبر الفلسطينيون عن قلقهم، متوقعين الأسوأ من خصم قديم. ورأت حنان عشراوي، القيادية البارزة في منظمة التحرير الفلسطينية، أن تعيين جون بولتون سيؤدي إلى زيادة التشدد في الموقفين الأميركي والإسرائيلي، وخلق «واقع مدمر» على الفلسطينيين والمنطقة، وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية إن «هذا الرجل لديه تاريخ طويل في معاداة فلسطين، منذ أن كان في الأمم المتحدة، حيث كان يدافع عن الحصانة الإسرائيلية».
يشار إلى أن بورصة التكهنات في أروقة واشنطن أشارت إلى احتمال إقالة ماكماستر، بعد أن أقال ترمب وزير خارجيته ريكس تيلرسون، الأسبوع الماضي. ونفى البيت الأبيض آنذاك هذه الأخبار، وذكرت المتحدثة باسمه، سارة هاكابي ساندرز، على حسابها في «تويتر»، الخميس الماضي: «تحدثت للتو مع الرئيس والجنرال ماكماستر - خلافاً للتقارير، لديهما علاقة عمل جيدة، وليس هناك تغييرات».
بدوره، قال بولتون، في مقابلة مع «فوكس نيوز»، مساء أول من أمس، إنه لم يتوقع أن يعينه الرئيس ترمب مستشاراً للأمن القومي، مضيفا أن الدور الجديد سيستغرق بعض الوقت لكي يتعود عليه «لكن من الواضح أنه شرف عظيم. إنه لشرف أن أخدم البلد، خصوصاً في هذا الوقت، على الساحة الدولية، إنه شرف خاص». وعلى خلاف التأييد الجمهوري لتعيين بولتون، ندد أعضاء ديمقراطيون بمواقفه من حرب العراق وكوريا الشمالية. وقد كان بولتون أحد مهندسي غزو العراق في 2003، ولم يتغير موقفه بعد اكتشاف أن نظام صدام حسين لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل، وقال: «ما زلت أعتقد أن قرار الإطاحة بصدام صحيح، ولكن بعض القرارات التي صدرت بعد ذلك كانت خاطئة، وأسوءها جاء بعد عام 2011، وتمثل في سحب القوات الأميركية من العراق».
وفي ما يتعلق بكوريا الشمالية، لم يخف بولتون شكوكه حول النتائج التي يمكن تحقيقها من خلال استخدام الردع النووي الكلاسيكي ضد بيونغ يانغ «مثلما حصل مع الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة»، داعياً مثلما كتب على «تويتر» إلى أن يقوم الجيش الأميركي بعرض قوة إزاء بيونغ يانغ. وفي مقال نشر في نهاية فبراير (شباط)، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، عبر مستشار الأمن القومي الجديد عن موقفه بوضوح، بقوله: «إنه لمن المشروع تماماً أن ترد الولايات المتحدة على التهديد» الذي تمثله كوريا الشمالية، التي تمتلك القوة النووية، «من خلال أن تكون البادئة بتوجيه ضربة»، وتساءل: «كم من الوقت على أميركا أن تنتظر قبل أن تتحرك لإزالة هذا التهديد؟».
أما بشأن روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، فيؤيد بولتون تشديد العقوبات، وهنا قد لا يبدو موقفه منسجماً مع الرئيس الذي لا يميل إلى توجيه الانتقادات إلى موسكو، إلا نادراً.
وولد بولتون في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1948 لعائلة متواضعة في ضاحية بلتيمور في مريلاند، وهو خريج جامعة يال العريقة، وعرف خلال دراسته بمواقفه المعادية للشيوعية، ولا سيما خلال حرب فيتنام.
وقبل تعيينه في الأمم المتحدة، شغل عدة مناصب حكومية في عهد رونالد ريغان وجورج بوش الأب. وفي وزارة الخارجية، كلف بالعلاقات مع المنظمات الدولية (1989 - 1993). وقبلها، عمل في وزارة العدل الأميركية (1985 - 1989)، وفي وكالة التنمية الأميركية (يو إس إيد) (1981 - 1983).
بولتون يعزز هيمنة المناهضين لطهران في واشنطن
ترحيب إسرائيلي علني وتحفظ سري
بولتون يعزز هيمنة المناهضين لطهران في واشنطن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة