طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«من تذكر قديمه»... عاش!

كنت في طريقي لمدينة الإنتاج الإعلامي، أراد أن يؤكد لي السائق أنه على نفس الموجة، فأدار مؤشر الراديو إلى محطة (الأغاني)، حيث كانت تتردد أغنية «ثلاث سلامات» بصوت مدحت صالح، وأبدى الرجل إعجابه بالأغنية، قلت له هل تعلم أن مطربها الأول اسمه محمد قنديل، وسجلها قبل نحو 60 عاماً، قنديل واحد من أهم الأصوات الغنائية وأقواها وأعذبها، التي عرفناها في تاريخنا، وكانت أم كلثوم تعتبره هو الأفضل في أصوات الرجال قاطبة متفوقاً بمراحل على عبد الحليم حافظ، إلا أن لمشاعر الناس دائماً حسابات أخرى، فوجئت أن السائق، لم يكن يعرف أساساً أنه كان لدينا مطرب اسمه محمد قنديل.
وشعرت بعدها بامتنان لمدحت صالح، لأنه حافظ على الأغنية لتظل تنبض بالحياة، وتصل لهذا الجيل.
أغلب الشباب في عالمنا العربي ينسبون الأغنية القديمة لمطربها الجديد، إنها حكاية متكررة عالمياً، وهو ما حدث مؤخراً في الهند، الناس عادة تألف ما تعودت عليه، لديهم أغنية عنوانها «أيك دو تين» ومعناها «واحد اثنين ثلاثة» وحققت نجاحاً مدوياً قبل 30 عاماً أعادوها مؤخراً (فيديو كليب)، حصدت 22 مليون مشاهدة في أيام قلائل، الأغنية القديمة أقصد الأصلية غناء مادهور دي كيسيت، بينما الجديدة رددتها جاكلين فيرنانديس.
مخرج الفيلم القديم الذي ظهرت من خلاله الأغنية لأول مرة، أعلن استياءه وهدد بإقامة دعوى قضائية لملاحقة المذنبين. في النصف قرن الأخير، باتت إعادة الأغاني القديمة مجدداً واحدة من الثوابت الموسيقية، بل ظهرت فرق غنائية مثل «الموسيقى العربية» و«أم كلثوم»، و«سليم سحاب» وغيرها، وجميعها متخصصة في إعادة القديم.
عدد من مشاهير الغناء مثل جورج وسوف، وفضل شاكر، وكاظم الساهر، وأنغام، وشيرين وغيرهم بين الحين والآخر يقدمون لجمهورهم، عدداً من أغاني أم كلثوم، وعبد الوهاب، وعبد الحليم وسعاد حسني، ولعبت هذه الأغنيات دوراً محورياً في تأكيد شهرتهم.
بقدر ما يشعر المطرب الجديد بالسعادة، فإن من يعيش الحزن غالباً هو المطرب القديم، لديكم مثلاً أغنية «حارة السقايين» التي رددتها نانسي عجرم ومحمد منير قالت مطربتها الأصلية شريفة فاضل غاضبة لم يستأذني أحد، أم كلثوم أيضاً لم تكن ترتاح - وإن كانت لم تعلن صراحة الغضب - وذلك بعد أن أعادت نجاح سلام، وشهرزاد، وسعاد محمد عدداً من أغانيها، بينما تذكروا على المقابل، كيف تعامل محمد عبد الوهاب بحنكة وذكاء مع الموقف، أغنية «من غير ليه» التي غناها بصوته قبل نحو 30 عاماً، حققت الرقم القياسي في عدد من أقدم على غنائها بعده، وصل الرقم إلى 10 أصوات، وهو لم يقل أبداً لأحد (ليه)؟
عبد الوهاب هو أكثر مطرب عربي أعادوا أغانيه القديمة، بل بعضهم من فرط التماهي معه صاروا صورة منه، مثل المطرب السوري صفوان بهلوان، الذي لم يتقمص فقط صوته، بل مع الزمن صار يشبه عبد الوهاب أيضاً في ملامحه!
كان الموسيقار الكبير يقول: «عندما يعيد مطرب ترديد أغنية قديمة لي، إما أن يتفوق علي أو أتفوق أنا، إذا حدثت الأولى فله كل الشكر لأنه سيذكر الناس بأغنيتي القديمة، ويعيدها مجدداً لتتنفس في آذان الناس، أما إذا جاءت المقارنة لصالحي، فهو يستحق في هذه الحالة التهنئة مرتين»!