طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

حليم وفريد وبينهما عبد الوهاب

الحلقة المفقودة في جفاء العلاقة بين فريد الأطرش، وكل من عبد الحليم وأم كلثوم هو محمد عبد الوهاب. فريد كثيراً ما أشار تلميحاً إلى ذلك، كانت لديه قناعة عميقة أنه لا أم كلثوم ولا حليم لديهما مشكلة في غناء ألحانه، لولا الأصابع الخفية لعبد الوهاب.
مرت قبل أيام قلائل ذكرى عبد الحليم رقم 41، وامتلأ الإنترنت بالعديد من اللقاءات التي احتفظ بها الزمن لعبد الحليم، وبينها الحوار الشهير الذي أجراه بحضور فريد وحليم، في بيروت للتلفزيون اللبناني، وكل منهما يؤكد أن اللقاء الفني قريب.
حدث هذا في مطلع عام 70. وعاش بعدها فريد 4 سنوات، ولم يغنِّ له عبد الحليم، رغم الاتفاق المسبق، والمعلن على الهواء بأن الأغنية القادمة لا محالة ستجمع بين أوتار فريد وحنجرة حليم. فريد كان يسارع بالتلحين ويُسمع عبد الحليم المذهب، ويبدي حليم إعجاباً منقطع النظير، وبعدها تتعطل لغة الكلام، حيث لا يلتزم عبد الحليم بالموعد المتفق عليه للبروفة، وينتهي الأمر بزيادة مساحة الغضب.
فريد عندما تراه تجد روح طفل وثّابة تمرح بكل عفوية ومصداقية، بينما عبد الحليم أخذ من عبد الوهاب في التعامل مع الإعلام العقل والتروّي، لقد أكدا في الحوار أنهما لن يسمحا لأحد بأن يلعب من الباطن لإثارة مشاعر الغيرة والفتنة بينهما، ولم يخلُ الأمر من طرافة عندما عاتب فريد عبد الحليم، لأنه قال في أحد الحوارات إنه في عُمر والده، فجاء رد حليم «خلاص ما تزعلش أنت قد جدي»!
من بين الأغنيات التي لحّنها فريد ليرددها حليم «يا ويلي من حبه يا ويلي»، وقبلها «يا واحشني ردّ عليه إزّيّك سلامات»، الأولى غناها فريد بصوته، والثانية أسندها إلى محرم فؤاد، لأنه في منتصف الستينات كان البعض يرى في محرم منافساً محتملاً لعبد الحليم.
فريد كانت لديه قناعة بأن عبد الوهاب هو الذي يلعب الدور الأساسي في تعثر لقائه مع عبد الحليم أو أم كلثوم، كان يقول مثلاً إن «هناك من يخشي المقارنة ولهذا يوعز إلى أم كلثوم بعدم الغناء لي»، ثم يبدأ في الثناء على ألحان رياض السنباطي، ويشيد أيضاً بما قدمه محمد القصبجي والشيخ زكريا أحمد، حتى يصبح المقصود على طريقة «الكلام إليك يا جارة» هو عبد الوهاب.
بالطبع لا يمكن الاستسلام تماماً لما يعتقده فريد، فلقد كان من السهل جداً تغيير مشاعره، والدليل أنه لمّح أيضاً إلى أن مشاعر الغيرة بين أم كلثوم وشقيقته أسمهان التي رحلت عام 1944 هي السبب في عدم غنائها ألحانه.
عندما سألوا عبد الحليم عن اللحن الذي غناه فريد وتمني أن يردده، أجابهم «الربيع»، وعندما كانوا يسألون عبد الحليم عن التنافس، كان يقول لهم بعد رحيل فريد مع مَن أتنافس.
لحن فريد كان سيمنح لا شك صوتَ عبد الحليم إحساساً ونبضاً مختلفين، وإضافة مغايرة لكل الذين غنّى من ألحانهم، ولكن لماذا ضحّى عبد الحليم بهذا المذاق؟ تفسيري أن ألحان فريد تستمع فيها أيضاً إلى صوت فريد، كلٌّ من أم كلثوم وعبد الحليم بحكم الخبرة العريضة شعرا بأن اللحن سيصبح به منهج فريد كمطرب. طبعاً غنّت لفريد أصوات مثل صباح ووردة وفايزة وشادية، وغيرهن، كل منهن استملحت فكرة المزج بين المذاقين في الأداء، بينما عبد الحليم وأم كلثوم... أرادا ألا يكونا فقط سوى عبد الحليم وأم كلثوم، وهكذا أرى أن عبد الوهاب هذه المرة كان بريئاً!