ليونيد بيرشيدسكي
TT

سر قوة «مايكروسوفت» و«آبل»

من السهل تفهم التعليقات التي أطلقها الرئيس التنفيذي لشركة «آبل»، تيم كوك، حول فضيحة «فيسبوك ـ كامبريدج أناليتيكا»، والتي عكست شعوراً بالزهو إلى حد ما، ذلك أنه قال إن شركته لم تشدد قط على جني أموال من وراء بيانات عملائها، وإن الخصوصية ظلت دوماً واحداً من أكبر اهتماماتها. ورغم أن «آبل» لا تزال تجمع بياناتنا ـ وتحتفظ بحق التشارك فيها ـ فإنها تحظى بوجه عام بسجل أفضل كثيراً من الشركات التكنولوجية العملاقة الأخرى الأحدث سناً.
وقال كوك، في تصريحات أدلى بها الأربعاء الماضي: «الحقيقة أن بمقدورنا جني أموال هائلة إذا ما سعينا نحو الاستفادة المادية من وراء بيانات عملائنا ـ أي إذا ما تعاملنا مع العملاء كما لو كانوا منتجاً لدينا. إلا أننا اخترنا عدم الإقدام على ذلك». وفي سؤال له حول ما سيفعله لو كان محل الرئيس التنفيذي لـ«فيسبوك»، مارك زوكربرغ، أجاب كوك: «لن أكون في مثل هذا الموقف أبداً».
في الواقع، تجمع «آبل» بيانات عن عملائها أكثر من تلك التي يجمعها «فيسبوك»، نظراً لأنها تطرح منتجات وخدمات أكثر. وتعلم «آبل» كل شيء عن عملائها، بدءاً من موقع «آي فون» إلى ذوق صاحب الجهاز من حيث الأفلام والموسيقى. وينص بيان الخصوصية الصادر عن الشركة صراحة على هذا الأمر، بما في ذلك أن «آبل» سوف تتشارك في البيانات مع «شركاء استراتيجيين يعملون مع (آبل) لتوفير منتجات وخدمات، أو معاونة (آبل) على التسويق في أوساط العملاء»، وكذلك فيما يخص جهود إنفاذ القانون. كما تسمح «آبل» للتطبيقات التي تعمل عبر منصتها (بما في ذلك «فيسبوك») بجمع بيانات. كما يوجد لديها منصة إعلانية صغيرة تسمح بالإعلانات المستهدفة.
وتعتبر «غوغل» النظير الأقرب إلى «آبل» من حيث جمع البيانات والتشارك فيها وتمريرها إلى شركات معنية بتطوير تطبيقات، وتطرح الشركة الخدمات ذاتها تقريباً (بجانب البحث)، وتملك أنظمة تشغيل للهواتف الجوالة والكومبيوترات المكتبية. إلا أن الاختلاف يكمن في أن «آبل» فرضت على نفسها بعض القيود الطوعية: على سبيل المثال، فإنها تخفي بيانات الموقع (إلا إذا كنت تستخدم خاصية «اعثر على آي فون الخاص بي»)، وتعتمد سياسة الخصوصية التمييزية التي تقوم على الحصول على بيانات الميول والاستخدام على نحو مشفر دون ربطها بمستخدمين محددين. أيضاً، تستخدم «غوغل» و«مايكروسوفت» هذا النهج إلى حد ما.
الواضح أن كوك يعتبر هذه القيود الذاتية سبيلاً جيداً لتجنب التعرض لتنظيمات وقيود خارجية. وانتقد «فيسبوك» مؤخراً لعدم تحليها بالقدر ذاته من بعد النظر، وقال: «أعتقد أن التنظيم الأمثل عدم وجود أي تنظيمات على الإطلاق. ومع هذا، أعتقد أننا تجاوزنا تلك النقطة هنا».
ورغم ذلك، فإنني كمستخدم لا أبدي ثقة كبيرة إزاء قدرة أي شركة على تنظيم ذاتها بذاتها. ومع أن كوك بدا حريصاً إزاء الاستغلال المادي لقاعدة بيانات عملاء «آبل»، فإنه لن يبقى رئيساً تنفيذياً للشركة إلى الأبد. ومن حقائق الحياة أن الناس يغيرون آراءهم، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بجني المال. وعليه، فإن التنظيمات ـ مثل قانون حماية البيانات العامة الذي من المقرر أن يقره الاتحاد الأوروبي في مايو (أيار) ـ تبدو سبيلاً أجدر بالاعتماد عليه. ولهذا، تقر كل من «غوغل» و«آبل» و«مايكروسوفت» أدوات للتحكم في مستوى الخصوصية تتيح للمستخدم غلق أنماط متنوعة من سبل جمع البيانات ومسح بيانات متوافرة لدى الشركات بالفعل، واختيار منع الإعلانات المستهدفة. اليوم، يتعهد «فيسبوك» أيضاً بإقرار أدوات سيطرة مشابهة.
ومع هذا، تظل الحقيقة أنه حتى التنظيم الخارجي ليس ضامناً كافياً لحماية الخصوصية. كما أن غالبية الناس ستختار تجنب الخوض في أدوات السيطرة المتاحة، لأنها ربما لا تدرك حتى ماهية أدوارها. كما أن الشركات ذات النماذج التجارية المعتمدة على الإعلانات تهتم بطبيعتها بجمع أكبر قدر ممكن من البيانات والمعلومات، وتخفي أقل قدر ممكن منها. على سبيل المثال، لن تقدم أي من «غوغل» أو «فيسبوك» على الالتزام ذاته الذي تمسكت به «مايكروسوفت» إزاء عدم استهداف العملاء بأي إعلانات تبعاً للبريد الإلكتروني أو محتويات المحادثات. كما أنهما لن تتيحا للعملاء بسهولة مثل «آبل» و«مايكروسوفت» غلق الإعلانات ذات الطابع الشخصي.
في المقابل، لن تهتم أي جهة تنظيمية بهذا الأمر، لأنه ليس من أهدافها قتل النموذج التجاري المعتمد على الإعلانات ومعه «فيسبوك» و«غوغل»، ولن يعمل النموذج دون آليات جمع بيانات واستهداف.
ويتمثل الضامن الوحيد الحقيقي في أن الشركات لن تتجاوز الحدود المقبولة في اختراق خصوصية العملاء، في أنها تحقق عائدات كبيرة بالفعل تجعل من هذا الأمر بالنسبة لها مخاطرة لا داعي لها. وتبدو «آبل» شركة جديرة بالاعتماد عليها في هذا الصدد: فهي شركة «هاردوير» تبيع محتويات وبرمجيات بالطلب وعلى أساس الاشتراك. كما أن «مايكروسوفت»، بالسحابة التابعة لها، أقل احتمالاً للمبالغة في اختراق خصوصية العملاء وجمع بياناتهم، لأنه لم يعد لديها منصة هاتف محمول.
ولهذا، لا تعاني «مايكروسوفت» و«آبل» كثيراً من تداعيات «كامبريدج أناليتيكا». جدير بالذكر أن أسهم «مايكروسوفت» ارتفعت بنسبة 4.5 في المائة منذ بداية العام، بينما تراجعت أسهم «آبل» بنسبة 1.63 في المائة فقط. ويأتي ذلك مقارنة بـ4.6 في المائة تراجعاً بالنسبة لـ«غوغل» و13.3 في المائة بالنسبة لـ«فيسبوك». وأعتقد من جانبي أن المكاسب التي حققها «تويتر» و«سناب»، وهما شركتان تعتمدان بصورة كاملة على الإعلانات وجمع المعلومات، هي أمر مؤقت. ومع أنه لا يرد ذكرهما كثيراً في مجال جمع البيانات مثل «غوغل» و«فيسبوك»، فإنهما حتماً ستتضرران حال إقرار تنظيمات أكثر صرامة ضد النموذج التجاري المعتمد على الإعلانات.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»