إميل أمين
كاتب مصري
TT

ولي العهد... وحقيقة مثلث الشر

في حديثه إلى مجلة «ذا أتلانتيك» الأميركية قبل بضعة أيام، تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن مثلث الشر الإيراني الإخواني الإرهابي، موضحاً محاولات المرشد الإيراني احتلال العالم، ما يجعل منه وكأنه هتلر جديد يحاول بناء إمبراطورية متطرفة، تتحكم في مقدرات المنطقة.
تستحق هذه التصريحات لحظات تأمل عميقة؛ ذلك أنها تقرر واقع حال بسط أجنحته الظلامية خليجياً وشرق أوسطياً، منذ أربعة عقود، ومؤخراً تحديداً نراه يسعى حثيثاً لجهة قارتين سيكون لهما شأن كبير في القرن الحالي: أفريقيا وأميركا الجنوبية. أما عن محاولات إيران الدؤوبة لنشر التطرف في آسيا ودولها الإسلامية خصيصاً، فحدث ولا حرج.
حين ظهر هتلر على سطح الحياة السياسية الأوروبية، حمل رؤية شمولية عن الرايخ الثالث الذي لا بد له من أن يعيش ألف عام. ولتحقيق مراده الهيولي سعى لاحتلال أوروبا بداية ضمن خطة أشمل وأعم، لصبغ العالم برمته بصبغة نازية توتاليتارية غير إنسانية، وكان أن جر الموت والدمار على العالم، بحساب حصاد يقدر بستين مليون قتيل.
نعم قال كارل ماركس: التاريخ لا يعيد نفسه؛ لكن حكماً أحداثه تتشابه. فمنذ عودة الخميني من فرنسا انطلقت رؤية إيرانية شمولية لتصدير «ثورة المحتل» الإيراني، تلك التي تبدأ دوغمائية في العقول والقلوب، ثم ما تلبث أن تضحى لوجستية على الأرض. وحديث «الطريق السريع» الذي تتطلع إليه إيران ليمتد من طهران إلى بغداد مروراً بدمشق ووصولاً إلى بيروت، خير دليل على الأطماع الإيرانية الساعية لتكريس نفوذ إمبراطورية هي مكافئة لطرح الرايخ الثالث لهتلر بنوع خاص.
الجذور العرقية الفارسية لا تداري أو تواري كراهيتها وأحقادها الدفينة تجاه العرب وإن كانوا مسلمين، وقد حلم الشاه رضا بهلوي بإمبراطورية إيرانية، واستطاع بدهاء إقناع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بتبني تسليح إيران لتصبح قوة إقليمية مهيمنة، لتحافظ على أمن الخليج الذي ما انفك يطلق عليه «الفارسي» في مغالطة لحقائق الديموغرافيا وطبائع الجغرافيا.
غير أن أوهام الخميني وأحلامه في احتلال العالم والشرق الأوسط تجاوزت رؤى الشاه، وبمعنى من المعاني تجاوز الثوار جنون العظمة لدى الشاه، فبدلاً من مجرد السعي إلى السيطرة على المحيط الهندي وغرب آسيا، سعت حكومة الخميني إلى أن تكون زعيمة العالم الإسلامي برمته.
كرر الثوار في إيران تجربة الشاه، حين سعوا إلى تحقيق دور سياسي يفوق موارد إيران، وقد كان حاديهم في السير الوئيد نحو الإرهاب والدمار لا الاستقرار والعمار، مقولة الخميني: «عندما تنتهي الحرب مع العراق، علينا أن نبدأ حرباً أخرى»، مضيفاً: «أحلم بأن يرفرف علمنا فوق عمان والرياض ودمشق والقاهرة والكويت».
حين يتحدث الأمير محمد بن سلمان عن توجهات إيران لبناء إمبراطورية متطرفة تتحكم في المنطقة، فإنه يصف الخريطة الغامضة التي تمضي إيران اليوم على أثرها، وتبدأ من عند إسقاط الجمهورية العراقية وتأسيس كيان تابع لهم هناك على أرض الرشيد، ومن بعد دمج إيران والعراق يمكن أن ينشأ في تقدير الملالي كيان من شأنه أن يغير ميزان كل شيء، ويمكن أن يكفل لطهران السيطرة على منطقة الخليج بداية، ثم إقليم الشرق الأوسط برمته في الأجل القريب.
التشابه بين هتلر والخميني قائم منذ اليوم الأول لقيام الثورة الإيرانية، فالأول رغب في تصدير نموذج القسوة والإنسان الأعلى، متأثراً - ولا شك - بفيلسوفه المحبب والمقرب فريدريك نيتشه، والثاني اعتبر أنه مالك للحقيقة المطلقة دون أحد سواه، ومالك أيضاً «للإسلام الحقيقي»، وبناء على ذلك لم يبخل بأي وسيلة إرهابية أو دموية من أجل تشجيع الشعوب العربية في المنطقة على تقليد طهران، والإطاحة بحكوماتها الكافرة - بحسب وصفه - وإقامة نظم توافق المبادئ التي يقوم عليها النظام الإيراني.
الأيادي الإيرانية ملوثة بالإرهاب والدماء منذ زمن بعيد، سيما إذا كانت السعودية هي المقصد والهدف، والتاريخ معين حافظ للأحداث، ففي عام 1986 اكتشفت قوات الأمن السعودية متفجرات في أمتعة الحجاج الإيرانيين المتوجهين إلى مكة المكرمة، بنية تعطيل ممارسة شعائر الحج. بل أكثر من ذلك، فقد حرض الإيرانيون وساندوا وأشرفوا على إطلاق القنابل على الثكنات العسكرية الأميركية في أبراج الخبر في المملكة عام 1996، والعهدة على تقرير وزارة العدل الأميركية الصادر في يونيو (حزيران) من عام 2001.
مثلث الشر الذي نبه إلى خطورته الأمير محمد بن سلمان، يصل إيران بجماعة الإخوان المسلمين وصلاً مؤكداً، وليس مرجحاً، سيما أن الأحقاد والضغائن التاريخية من الجانبين للدول العربية والخليجية بشكلها الحديث، واضحة وضوح الشمس في ضحاها.
لعبت إيران كثيراً جداً على توثيق علاقاتها بـ«الإخوان المسلمين»، سيما الجماعة الأم في مصر، التي هي بحق «حاضنة الإرهاب والإرهابيين» الأولى في المنطقة.
ما من خفي إلا وسيعلن، وما دار همساً بين الإخوان وإيران في خمسينات القرن الماضي ها هو ينادى به اليوم من على السطوح. فقد بدأت العلاقة عام 1954 حين زار مؤسس «فدائيان إسلام» القاهرة، والتقى زعماء «الإخوان المسلمين»، وفي مقدمتهم سيد قطب، وقد دعا الإيرانيين للانخراط في صفوف «الإخوان»، ولهذا تبقى جذور العلاقات الإخوانية الإيرانية راسخة، ولم يبخل الملالي بإطلاق اسم قاتل السادات على أحد شوارع عاصمتهم، ولم يكفوا عن محاولات التدخل في الشأن المصري في عام حكم «الإخوان».
مرة جديدة: «لا أحد يحتل ببراءة، ولا ينجو المحتل بدوره من العقاب»، إنها شريعة إلهية ونواميس طبيعية، وقد لقي هتلر جزاء الشر الذي حمله للعالم ولشعبه، أول الأمر وآخره، والآن يأتي دور المرشد لا محالة.
لا يمكن أن نفهم التاريخ دون أن نفهم أوهامه... إمبراطورية إيران و«الإخوان» والمنظمات الإرهابية إلى زوال، كما رايخ هتلر.... إنه قدر مقدور في زمن منظور.