عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

قوة الأفكار... نموذج محمد بن سلمان

تمتلك الأفكار قوة خارقة في تغيير مسار التاريخ والتحكم به وصناعة المستقبل، وزيارة ولي العهد السعودي الحالية للولايات المتحدة تمثل نموذجاً مهماً للفكرة الناجحة، فلم يسبق لأي زعيم عربي أن صنع ما يصنعه اليوم هناك، ولا أظن أن هناك من سبقه إليه.
إنه نموذج فريد بناه ولي العهد السعودي، تمثل فيما رأيناه خلال زيارته التاريخية لأقوى بلد في العالم، والحليف الأهم للسعودية في العالم، فالتحضير لأشهر لهذه الزيارة وتنوّع وتعدد المجالات التي تعنى بها، من تحديد الاحتياجات وبناء العلاقات وتعزيزها وما تحتاج إليه السعودية حاضراً وما تحتاج إليه مستقبلاً، وصولاً لتوقيع الاتفاقيات وإنجاز العقود، ومن ثم، خطط التنفيذ ومراحله، كل ذلك كان يتم ضمن «رؤية السعودية 2030» المنشورة والمعلنة.
قوة الأفكار وريادتها تصنع الفارق دائماً، ومنها تجاوز الخطط الخمسية الماضية في السعودية منذ عقود وإعلان رؤية إصلاحية متكاملة تمتد لخمسة عشر عاماً في المستقبل، وتتسم بالشمول والمرونة في الوقت نفسه، فهي قابلة على الدوام للتطوير والتغيير والتعديل، بما يخدمها ويعزز تأثيرها، ومن ذلك فكرة التخلي عن النفط بوصفه مصدرا وحيدا لاقتصاد البلاد، ووضع تنويع الاقتصاد كواقع فعلي على الأرض بدلاً من مجرد الحلم به، والرهان على اقتصادٍ منتج ومتنوع، يصل بالسعودية لمكانة تستحقها في المنطقة والعالم، وتوطين الصناعات العسكرية والتأكيد الدائم على المحتوى المحلي.
سياسيا، راهن ولي العهد السعودي على توثيق وتعزيز قوة السعودية، وأن تعبر عن ذلك بشكل صريح ومؤثر، فكان حصار المشروع الإيراني الطائفي الإرهابي في المنطقة والعالم، بالقوة الناعمة وبالقوة الخشنة حين يقتضي الأمر، ويمكن التمثيل للقوة الناعمة بالانفتاح الكبير الذي تشهده السعودية في جميع المجالات والحرص على إعادة هيكلة الحكومة وتطوير العمل الحكومي، وإعادة صياغة المجتمع وتطويره وفتح كل مجالات الحياة الكريمة ونشر الرفاه ضمن برامج كبرى مثل برنامج «جودة الحياة» وأمثاله، كما في قوة الإعلام التقليدي والحديث، كما في قوة صناعة الدراما من مسرح وسينما وقنوات وغيرها.
كما كان حصار المشروع الإخواني الإرهابي هدفا سياسيا بالغ التأثير يساعد على الانعتاق من كل أولويات العقود الأربعة الماضية، التي استغلتها تلك الجماعة ومثيلاتها لاعتقال الأجيال والشعوب ضمن منظوماتٍ آيديولوجية معادية، وقد تمّ بناء نموذج جديد للعلاقات بين الدول تمنع أي تدخلات في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتم تعزيز العلاقات السياسية القائمة مع خلق نموذج لمجالس التنسيق بين السعودية وحلفائها وبعض خصومها، يراعي تحقيق تقاربات جديدة تؤمن مصالح السعودية بكل شكل ممكن.
أما القوة الخشنة فتعبّر عنها ثلاثة تحالفات مهمة: التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وهو كان قائماً قبل تسنّم الأمير منصبه، ولكنه تعزز وحقق النصر حين أمسك الأمير بدور السعودية فيه، وهي الدولة الثانية بعد أميركا، والتحالف الثاني والثالث بناهما بنفسه من الصفر، وهما: التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، والتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب.
حوارات الأمير الصحافية مع كثير من وسائل الإعلام الأميركية تصدرت العناوين وحظيت بأكبر متابعة، لا لشيء إلا لأنه يحمل مشروعاً متكاملاً لمستقبل بلاده والمنطقة والعالم، بشكل يختلف تماماً عما عرفت به السعودية في العقود الماضية، وتحدث برؤية متماسكة وبكل الصراحة والشفافية اللازمة حتى في تناول أدق التفاصيل شديدة الحساسية، وقد أجاب عن جميع التساؤلات بانفتاح وسهولة فالصورة شديدة الوضوح في ذهنه، لقد انتهينا من أي أخطاء في الماضي ونحن نتجه للمستقبل.
مَن أجدرُ من ولي العهد السعودي بأن يتحدث عن تشويه الإسلام واختطافه، وعن اختطاف أجيال من الشباب السعودي، وهو ولي عهد السعودية، بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي وقبلة المسلمين ومأرز الإيمان، وهو يقدمها بكل شرعيتها في مقدمة العالم لمحاربة التطرف والإرهاب، ويقول للعالم نحن المسلمين الأقدر على ضرب التطرف والإرهاب في الصميم.
ومن الطبيعي أن ينتبه العالم حين يقول إن المشروع الإيراني لا يمثل الإسلام بل لا يمثل الشيعة، وإنما هو نظامٌ يسعى لبسط النفوذ والهيمنة والتوسع، تماماً مثلما كان هتلر في أوروبا والعالم، وأن هذا النظام لم يترك شيئا مما يعادي الإنسانية إلا وتبناه ولم يترك جماعة متطرفة أو تنظيماً إرهابياً إلا دعمهما بكل وسيلة.
ولئن استطاعت جماعة الإخوان المسلمين خداع كثيرين حول العالم بأنها تمثل النموذج المتسامح للإسلام، إلا أنها - كما شرح الأمير أكثر من مرة - وكما يعرف الباحثون المختصون هي مصدر الشرور والتطرف والإرهاب في العالم منذ إنشائها قبل عقود، وهي أم كل جماعات الإسلام السياسي المعاصرة وكل تنظيمات العنف الديني، على مستوى الآيديولوجيا والخطاب والمفاهيم والأفكار وعلى مستوى بناء الجماعات المتطرفة والتنظيمات السرية وعلى مستوى استخدام الدين الإسلامي لخدمة أهداف سياسية خاصة بها، فهي لا تؤمن بالأوطان، بل بالأمة ولا تؤمن بالإنسان، بل بالعنصر الذي يبايعها، وهي تحتقر النفس البشرية ولا ترى لها أي قداسة ولا حرمة، وهي شرّعت لأتباعها كل المحرمات الدينية والبشاعات الأخلاقية، وحبل جرائمها بلا نهاية.
من هنا جاء تصنيفها في السعودية جماعة إرهابية، وهي أحد العناصر المهمة لمحور الشر الذي تحدث عنه الأمير، وعلاقاتها بالنظام الإيراني راسخة ومستمرة، فالنظام الإيراني يشكل نموذجاً ناجحاً للفكرة الإخوانية، وهي علاقات تجمعها الآيديولوجيا المشتركة والخطاب الواحد بصيغتين سنية وشيعية وهي عدوٌ دائمٌ للسعودية ودول الخليج والدول العربية، وهي بنت تحالفات قوية مع كل الخصوم والأعداء في المنطقة، وعلى رأسها المشروع الأصولي الإرهابي الذي ترعاه وتبشر به تركيا، وتدعمه وتسوق له لعقدين من الزمن قطر، راعية الإرهاب وداعمة التطرف في المنطقة والعالم.
آثار هذه الزيارة تحتاج إلى وقت لتظهر وتبرز، ولكنها تصبّ في الاتجاه الصحيح، وستستفيد منها الدولة السعودية والشعب السعودي، وستتوالى خلال السنوات المقبلة، وسيزور الأمير في طريق عودته فرنسا، للأهداف والأسباب نفسها، رفع مكانة المملكة العربية السعودية لآفاق غير مسبوقة.
أخيراً، إن قوة الأفكار البناءة وقوة القرار هي ما يصنع المستقبل، والنموذج الذي بناه الأمير داخلياً وخارجياً يثبت أن له من ذلك أوفر الحظ والنصيب.
[email protected]