إيلي ليك
TT

تغيير مسار السياسة الأميركية في سوريا

إن كان الماضي هو استهلال لأي شيء، فينبغي أن نتوقع ضربة أميركية مرتقبة في أقرب وقت ممكن ضد المطارات السورية.
وقبل أكثر من عام بقليل، هاجمت القوات الحكومية السورية قوات المعارضة بالأسلحة الكيماوية. وأدان الرئيس دونالد ترمب الجريمة البشعة، وفي 7 أبريل (نيسان) 2017 أمر الرئيس الأميركي بإطلاق 59 صاروخاً من طراز توماهوك كروز على مطار الشعيرات الحربي السوري، وهو الذي انطلقت منه الهجمات الكيماوية المذكورة. ولقد أخبر نظيره الصيني بالأمر أثناء احتفالية لطيفة في ناديه الخاص بولاية فلوريدا.
ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه في عطلة نهاية الأسبوع. إذ يبدو أن النظام السوري قد هاجم شعبه مرة أخرى بالأسلحة الكيماوية. وهذه المرة في الغوطة الشرقية، وهي من ضواحي العاصمة دمشق. ومرة أخرى كان رد الرئيس ترمب تغريدة غاضبة للغاية، ووصف الرئيس السوري «بالحيوان»، وحمّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقيادة الإيرانية المسؤولية عن تلك الهجمات بسبب الدعم والتأييد الذي يقدمانه لنظام بشار الأسد.
ومن شأن ذلك كله أن يقوّض من دعوات ترمب المبسطة والخاصة بالانسحاب الأميركي النهائي من سوريا. فإن أنفذ الرئيس ترمب تهديده ضد بشار الأسد، وروسيا، وإيران بشأن الاستخدام الأخير للأسلحة الكيماوية، فسوف يوسع من نطاق المهمة الأميركية لما وراء محاربة «داعش». (وهم يقاتلون «داعش» أيضاً، بل ويدعون أن المعارضة السورية بأسرها هم من الجهاديين الموتورين).
لذلك، وبدلا من وجود رادع حقيقي للهجمات الكيماوية في المستقبل، كل ما علينا توقعه ليس إلا تدابير مقتضية. وربما تتعرض إحدى القواعد الحكومية للتدمير، ولكن سياسة ترمب الخطيرة ستبقى كما هي ما لم يقم بتغيير مسارها على الحقيقة.
لقد أطلق ترمب العنان للقوات الخاصة الأميركية، والقاذفات الأميركية، والحلفاء الأميركيين (أي الأكراد بصفة رئيسية) لتدمير مواقع تنظيم داعش في سوريا. وهي من الإجراءات الجيدة واستعراض كبير للقوة لما قد بدأه الرئيس الأسبق باراك أوباما على نحو خجول في عام 2014. لكن ترمب كان حريصاً على عدم المساس بالخطط الخبيثة للتحالف الروسي الإيراني السوري الذي يحاول تعزيز الدولة التي انهارت بالفعل منذ عام 2011 ولا تزال الخسائر الإنسانية تشيع حالة من الهول في العقل البشري. ولا يتعلق الأمر بفظائع الهجمات بالغازات الكيماوية فحسب.
وكما ظهر من الصور التي صدرت أواخر العام الماضي من وكالة الصحافة الفرنسية الإخبارية، تضور الأطفال الرضع جوعاً حتى الموت في حصار حلب.
وهناك أيضا تهجير المواطنين السوريين. فأكثر من نصف سكان البلاد صاروا بلا مأوى بسبب هذه الحرب. كما اقترح الديكتاتور السوري مؤخراً قانوناً جديداً يسمح للحكومة بالاستيلاء على المنازل المهجورة في البلاد. وقال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لقوة الطوارئ السورية، أن من شأن هذا القانون أن يسمح للحكومة السورية بمكافأة الرعاة الإيرانيين المحسنين على النظام السوري بالمنازل التي أجبرت الميليشيات الإيرانية أصحابها على الهرب منها.
ومن شأن كل ذلك أن يجبر الأمم المتحضرة على التوحد سويا وإيقاف هذه الفظائع. ولكن هناك مسؤولية خاصة ملقاة على عاتق الولايات المتحدة في هذه اللحظة الحرجة. على الرغم من مكاسب الأسد برعاية روسيا وإيران في سوريا خلال العامين الماضيين، فإن الحرب لم تنته بعد. على سبيل المثال، فإن الأراضي الواقعة إلى شرق نهر الفرات، والتي نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها من الأكراد في تحريرها من تنظيم داعش ليست خاضعة لسيطرة قوات الأسد حتى الآن.
وهنا، يمكن للولايات المتحدة منح هذه المدن والبلدات المحررة حديثا نوعا من الملاذ الآمن. وهناك سابقة للقيام بذلك على أي حال. فعلى غرار دونالد ترمب، قرر الرئيس الأسبق جورج إتش دبليو بوش أنه غير مهتم بنيل أي دور في محاولة تحرير العراق بعد طرد جيش صدام حسين من الكويت في عام 1991 وبعد أن فسر صدام حسين هذه السياسة بأنها بمثابة الضوء الأخضر لمعاقبة الأكراد في شمال العراق، غير الرئيس بوش من اتجاه سياسته عندما كانت العائلات الكردية تفر إلى الجبال من بطش صدام حسين. أنشأ الرئيس بوش منطقة حظر الطيران، وبدأت الولايات المتحدة في حماية هذه الأقلية العراقية في الفترة بين حربي الخليج الأولى والثانية.
أمام الرئيس ترمب الآن فرصة مماثلة لتغيير مسار سياسته أيضا. فليس عليه الالتزام بإعادة بناء سوريا بأسرها. ولكن على أقل تقدير، يمكنه أن يفي بالدين الأميركي لأولئك الأكراد السوريين الذين عاونوه في هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، ومحاربة الأعداء على الأرض هناك، حتى لا يضطر الجنود الأميركيون إلى محاربة الكثيرين منهم هنا (اقتباسا لإحدى عبارات الرئيس بوش الشهيرة). ومن شأن ذلك أن يستلزم وضع سياسة تهدف على الأقل إلى حماية شرق سوريا من الآلة الحربية المجنونة لبشار الأسد وجيشه.
والبديل عن ذلك لن يكون سوى الكارثة والخزي والعار. فإن نكث الرئيس ترمب فعلا بوعده بالخروج من سوريا، ربما في وقت مبكر مثل أكتوبر (تشرين الأول)، فسوف يترك السكان الذين تم تحريرهم من «داعش» يتعرضون للتشريد. وسوف يساعد إيران على استكمال الجسر البري الذي تصبو إليه حتى البحر الأبيض المتوسط. ولسوف يكون مضحياً بالدماء والأموال الأميركية لتأمين تحقيق الأهداف الاستراتيجية لأعداء الولايات المتحدة.
وإنه الإرث الذي من شأنه أن يُلحق العار والمهانة بأي رئيس في أي مكان.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»