سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

لكن روز لا تخاف

غيّر المحامي نادر آداب الاستهلاك في أميركا عندما أطلق حملته الأولى في الستينات على الأخطاء القاتلة في صناعة السيارات. وبعدها في صناعات كثيرة. وأصبح رمزاً أخلاقياً في الولايات المتحدة والعالم، يخوض معركة الرئاسة منفرداً بين الحزبين، ويحوز 3 في المائة من أصوات الأميركيين.
يعيش نادر حياة الزُهَّاد في واشنطن. وهو ابن خالة زميلنا العزيز رفيق خليل المعلوف، الذي شغل مدير مكتب «النهار» ثم «الحياة» في العاصمة الأميركية. ومن خلاله التقيت رالف عندما زار لبنان فور تخرجه من «هارفارد»، وقبل عام واحد من أن يصبح على غلاف «تايم».
عندما اكتشف نادر الخلل في سيارة «كونفير» أُرغمت شركة «جنرال موتورز» على سحبها من الأسواق متكبدة ملايين الدولارات. وقررت أن ترد عليه بحملة تشويه وإقلاق. وفكرت أنه رجل شجاع من الصعب إزعاجه، ولذا الأفضل تخويف والدته.
تولت زمرة من الزعران الاتصال هاتفياً عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وتهديدها. وفي تلك الأيام لم يكن من الممكن بعد معرفة مصدر المكالمات. لقد أخطأت الشركة الخيار. فقد كان من الأسهل ثني رالف نفسه، أما الوالدة، روز بو زين، فلم تدرك الشركة أنها سيدة من زحلة، مدينة الجبابرة التي يقول نشيدها البلدي: «زحلة يا دار السلام / فيكي مربى الأسودي» (تنشئة الأسود).
سرعان ما شعر المتصلون باليأس، خصوصاً أن روز راحت تقنعهم بالانضمام إلى حملة رالف. وسوف يكتب الرواة فيما بعد أن الأم هي التي شجعت الابن على تبني القضايا الإنسانية ولو خسر، وأن أمامه الكثير من الوقت لكي يجمع المال.
ولد رالف العام 1934 لمهاجرين لبنانيين، ندره نادر وزوجته روز، في بلدة وينستد، ولاية كونتيكت. وكانا يملكان مطعماً لبنانياً صغيراً، عمل فيه رالف وهو يافع. وعندما أنهى دروسه الثانوية حصل على منحة دراسية في جامعة برنستون، غير أن الوالدين طلبا إليه أن يعتذر عن عدم قبولها، بحيث تذهب إلى طالب آخر لا يملك دفع الكلفة الدراسية.
يتهيأ لي أن حينها بدأت ولادة أول وأشهر سياسي من نوعه في تاريخ أميركا. فالقرار بالتكرس للدفاع عن الآخر اتخذ في البيت، وليس في «برنستون» أو «هارفارد» فيما بعد. تحول رالف إلى أيقونة أميركية ينضم إلى مؤسسته مئات الآلاف من المتطوعين، وظل يعيش زاهداً في قلب العاصمة التي يخافه سياسيوها. ويكنون له أعمق الاحترام.