مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

الختام... مع غسان الإمام

برحيل الأستاذ الكبير غسان الإمام في منفاه الفرنسي، تفقد القصة السورية شاهداً رئيسياً عليها، وذاكرة من حديد، وقلماً من نار ونور.
رحل الشيخ الثمانيني «العروبي العنيد» وهو بعيد عن الأضواء والعلاقات الاجتماعية، هو كما وصف نفسه يوماً بمقالة رائقة كتب فيها خلاصة سيرته، بترسّله الكتابي الباهر، مقالة بتاريخ 10 يوليو (تموز) 2012 بُعيد ثورة السوريين على النظام الأسد. قال: «لست معارضاً أو موالياً. أطلّ على العالم من خلال شاشة صحافية، أحب أن تكون عريضة، لأرى ما لا يراه المعارضون والموالون».
الرجل التقى بشار الأسد في باريس قبل وفاة والد بشار بقليل، والشاب يعد الناس بربيع سوري سياسي مزدهر، لم يصدقه الصحافي المخضرم، وعرض عليه بشار العودة لسوريا «وطنه»، وكان الشرط كما قال، ترك الكتابة بصحيفة «الشرق الأوسط»!
يستمر غسان سارداً عن اللقاء الباريسي الأول مع بشار عام 2000: «قال لي بشار وهو يصافحني: يجب أن تعود إلى سوريا. نحن هناك نقرؤك. ثم أسمعني محاضرة طويلة عن الديمقراطية».
ويستمر: «عملت في الصحافة السورية نحو عشر سنوات فقط (1954- 1963). ثم غادرت بلدي إثر مذبحة الصحافة السورية. فقد أغلقت حكومة صلاح البيطار الانقلابية الصحيفة التي أعمل فيها. ثم أغلقت مكتب وكالة الأنباء التي أراسلها. عملت في لبنان. عندما لحقني الجيش السوري إلى لبنان (1976) غادرته هارباً إلى أوروبا».
بعدما تقطعت السبل بهذا الصحافي الشامي الخبير، كانت هذه الالتفاتة السعودية التي كشف هو عنها وليس من أسدى هذا الصنيع.
نترك الراحل يخبرنا في مقالته الحزينة تلك: «ولي العهد السعودي الأمير (الملك) سلمان بن عبد العزيز عاشق للصحافة. وقارئ لها. و(مبتلى) كما يقول بـ(بلاوي) الصحافيين. فقد رقّ قلبه لبلواي. استصدر لي أمراً من شقيقه العاهل السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز بمنحي جواز سفر سعودياً. جدده لي العاهل عبد الله بن عبد العزيز. وجدده لي الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز ولي العهد ووزير الداخلية».
غسان الإمام تاريخ، وشخصياً أتذكره في عملي بهذه الصحيفة بقسم الرأي، حيث كنت أتابع تسليم مقالاته، كان دقيقاً جداً، جداً، وشديد الإلحاح على التصحيح، مهما بدا الأمر ضئيلاً، أقصد يتابع على الفواصل والنقاط وما شاكل!
في المرات التي حصل بيننا كلام، كان مقتصداً مهذباً، لكن تحس بنبرة حزن مكتوم، لا عجب، في النهاية مات الرجل بمنفاه، نهاية جدّ حزينة.
نعاه رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» الزميل غسان شربل عبر «تويتر»، فقال: «موت الصحافي في المنفى مقاله الأخير».
من كلماته التي تصف حكايته مع النظام السوري الجديد: «خدعني بشار. ضللني بمسافة طويلة».
أخيراً، ليت أن بيته، صحيفة «الشرق الأوسط»، تجمع ما كتبه في زاويته الرائقة «أصداف ولآلئ» فهي من خيار ما كتب الرجل، سياسة وصحافة... وفنّاً.
[email protected]