منذ أطلقت موسكو في بداية سبتمبر (أيلول) 2013 مبادرة تدمير الترسانة الكيماوية السورية، وعززت خطوتها باستدعاء وزير خارجية النظام وليد المعلم على عجل ليعلن أمام الصحافيين أن «دمشق سوف تلتزم بتعاون تام وكامل مع كل خطوات موسكو»، بدا أن الروس أخذوا هذا الملف على عاتقهم وباتوا مسؤولين عنه أمام المجتمع الدولي، في مقابل إسقاط ورقة «الخط الأحمر» التي لوح بها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
كانت موسكو قبل هجوم الغوطتين الكيماوي في أغسطس (آب) 2013 أمضت سنة كاملة وهي تؤكد لكل الأطراف الدولية أن «الكيماوي السوري تحت السيطرة»، وأن النظام «لن يستخدم هذا السلاح تحت أي ظرف ولدينا ضمانات كاملة بذلك»، وفقا لتعبير غينادي غاتيلوف، الذي كان نائباً لوزير الخارجية في تلك الفترة.
ولكن، تبين لاحقا أن «الضمانة» الروسية لم تكن كافية. ورغم اتفاق تدمير المخزون الكيماوي سجلت المنظمة الدولية لحظر هذا السلاح عشرات الهجمات في وقت لاحق، كانت حادثة خان شيخون العام الماضي واحدة منها، قبل أن ينفجر الملف مجدداً في دوما هذا العام. ولذا بدت عبارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف غريبة قبل يومين، عندما قال بأن «الحديث عن مسؤولية روسيا بشأن وفاء سوريا بالتزاماتها بموجب اتفاق الأسلحة الكيماوية أمر مشين».
تبدو المشكلة الروسية تجاه السلاح الكيماوي السوري شديدة التعقيد. وهي لا تقتصر على «المسؤولية التاريخية» لجهة أن روسيا هي المصدر الرئيسي للترسانة القاتلة، ما يرتّب عليها مسؤولية خاصة، بل تتجاوز ذلك إلى «ضمانات» موسكو الكثيرة التي فشلت في تطبيقها مع أنها غدت اللاعب الأبرز في الساحة السورية.
لقد أعادت التطورات الأخيرة التذكير باتهامات سابقة لموسكو بأنها سلّحت نظام الأسد بالكيماوي. لكن موسكو نفت بقوة أن تكون قدمت سلاحاً كيماوياً للنظام السوري خلال السنوات التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، في محاولة للإيحاء بأن المكونات الكيماوية التي استخدمت في الغوطة وفي مناطق أخرى تعود إلى عقود قديمة، ولا يمكن إثبات أنها روسية المنشأ.
وهنا يذكر أنه رغم ندرة المعلومات حول الموضوع، فإن الجهد السوفياتي كان كبيراً في إطلاق البرنامج الكيماوي السوري، ولم تقتصر المساعدات السوفياتية على تسليم دمشق مكونات كيماوية يمكن تحويلها إلى سلاح، بل زودت موسكو دمشق أيضاً بناقلات هذا السلاح من صواريخ أو قذائف ترمى من الطائرات أو غيرها من المعدات الحربية اللازمة لجعل الترسانة الكيماوية قابلة للاستخدام العملياتي. أما المرحلة الثانية فبدأت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مباشرة، وعبر اتفاق وقعه الطرفان لتعزيز التعاون في هذا المجال.
عام 1993 نشر جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية تقريراً موسعاً نادراً بالنسبة إلى المؤسسة الأمنية، حول وضع أسلحة الدمار الشامل في العالم والمخاطر الجديدة التي تواجهها روسيا على هذا الصعيد. واستند التقرير إلى معلومات استخباراتية حول وضع ترسانة الأسلحة المدمرة في كل بلد، وورد اسم سوريا في صفحتين من التقرير تناولتا المخزون السوري في تلك الفترة.
التقرير أشار إلى أن «البرنامج الكيماوي السوري أطلق في سبعينات القرن الماضي، ووضع آليات لشراء معدات وتقنيات من الدول المنتجة لإقامة قاعدة صناعية لتركيب الأسلحة الكيماوية، وهذه كانت مهمة البرنامج المركزية». لكن معطيات خبراء روس في مجال السلاح الكيماوي أظهرت تفاصيل أخرى تتعلق بمسؤولية روسيا لاحقاً عن تزويد دمشق بالجزء الأعظم من الترسانة الكيماوية التي أعدم الجزء الأكبر منها بعد اتفاق تدمير المخزون الكيماوي السوري. ولقد ورد اسم المسؤول الروسي كونسيفيتش الذي عمل حتى عام 1993 مستشاراً في الديوان الرئاسي الروسي لشؤون الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، في عهد الرئيس السابق بوريس يلتسين.
وكان ضمن الأشخاص الذين أشرفوا على تنفيذ اتفاق وقّعه مع دمشق في ذلك الوقت نائب رئيس الوزراء الروسي فلاديمير شومييكو، وبموجب الاتفاق أسس «المركز البيئي» الذي غدا القاعدة الأساسية للبرنامج الكيماوي السوري، وعين كونسيفيتش مسؤولاً عن هذا الملف.
إلا أن الأهم حالياً، من تاريخ تطوير السلاح الكيماوي السوري، هو الربط بشكل مباشر أو غير مباشر بين ملف سوريا الكيماوي والاتهامات الغربية لموسكو باستخدام الكيماوي في بريطانيا أخيرا. وكما كتب مدوّن معارض أخيرا فإن «البلد الذي يستخدم مواد مشعة لقتل معارض (الكسندر ليتفينينكو في لندن عام 2006) ثم يستخدم سلاحا كيماويا لتصفية جاسوس سابق (سيرغي سكريبال) من الطبيعي ألا يهتز ضميره كثيراً إذا استخدم نظام يحميه أسلحة كيماوية ضد شعبه».
هذا الربط يبدو مقلقاً لروسيا أكثر من كل تداعيات التحقيق الدولي المؤجل في حادثة الغوطة الشرقية، وهو بين الأسباب التي تدفع روسيا حاليا لبذل كل ما بوسعها لإثبات «فبركة» الهجوم، ووقوف جهات غربية خلف «الاستفزاز المتعمد» وفقا لتعبير الوزير لافروف.
7:49 دقيقة
موسكو تراجعت عن ضماناتها بشأن الكيماوي السوري
https://aawsat.com/home/article/1244066/%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9%D8%AA-%D8%B9%D9%86-%D8%B6%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A8%D8%B4%D8%A3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%88%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A
موسكو تراجعت عن ضماناتها بشأن الكيماوي السوري
- موسكو: رائد جبر
- موسكو: رائد جبر
موسكو تراجعت عن ضماناتها بشأن الكيماوي السوري
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة