ليونيد بيرشيدسكي
TT

لا تدفعوا بالدول الهشة نحو الديمقراطية

يرأس رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون الآن لجنة تتعلق بـ«هشاشة الدولة والنمو والتنمية»، والتي شُكلت بوساطة كلٍّ من كلية لندن للاقتصاد وجامعة أكسفورد. وهناك قدر لا بأس به من السخرية في ذلك، فبعد كل شيء، ألم تسفر مقامرة كاميرون الكارثية مع استفتاء «بريكست» البريطاني عن جعل المملكة المتحدة دولة أكثر هشاشة مما كانت، الأمر الذي جعل من نموها وتطويرها من مواضع الشك والتساؤل؟ وكانت التوصيات الأولى للجنة المذكورة التي تضمنها تقريرها، رغم ذلك، تتسم بالحصافة والحساسية: تجب مراعاة شعور الناس بالأمن الاقتصادي والسلام الاجتماعي قبل الشروع في بناء نظام الحكم الذي يماثل الأنظمة الديمقراطية القديمة.
ويقول التقرير إن الدول المتقدمة التي تحاول مساعدة الدول الهشة كانت تفعل ذلك بطريقة خاطئة. فلقد دفعوا بأفضل ممارسات الدول الثرية، مطالبين بإجراء انتخابات سريعة متعددة الأحزاب، إلى جانب تطبيق السياسات الاقتصادية القاسية للغاية والتي لا تحظى بالتأييد والدعم الداخلي، وتروّج لها مؤسسات مالية عالمية مثل صندوق النقد الدولي. ولقد أسفرت هذه المحاولات عن ديمقراطيات معيبة للغاية ويسهل تخريبها، أو ربما شهدت انقلابات شديدة مثل العراق ما بعد صدام حسين، ومصر ما بعد عهد مبارك، وليبيا ما بعد عهد القذافي.
إن الدفع بوقوع الأحداث، بما في ذلك الدعوة لإجراء الانتخابات متعددة الأحزاب مباشرةً في أعقاب الاضطرابات الداخلية الكبرى، لا يسفر عن نتائج ناجحة بحال، ولقد قال المؤلفون في ذلك:
من شأن الانتخابات التقليدية، ومن دون قصد، أن تقوّض الضوابط والتوازنات الداخلية من خلال تسليم السلطة لمجموعات الأغلبية، تماماً كما حدث في العراق. وعلاوة على ذلك، وحيث إنه يسهل التلاعب بنتائج الانتخابات العامة في ظل الظروف السائدة في المجتمعات الهشة، فإن نتائج تلك الانتخابات لا تحظى أبدا بثقة المواطن العادي وعلى نطاق كبير. ونتيجة لذلك، وإلى أن يتم بناء الضوابط والتوازنات الداخلية التي تنال الثقة الكاملة داخل المجتمع، فإن الانتخابات التي تُعقد لا تضفي أو تعبّر عن شرعية الفائز المعلن بأي حال.
وفي الصومال، على سبيل المثال، استوعبت مطالبات الجهات المانحة بإجراء الانتخابات العامة طاقات القادة الوطنيين في البلاد كافة لمدة ثلاث سنوات كاملة بين عامي 2014 و2017، ثم أسفرت عن إجراء انتخابات رمزية في المطار شملت 14 ألف ناخب فقط!
وينبغي على الجهات الخارجية المعنية بتثبيت دعائم الدولة الهشة وأركانها أن يكونوا أكثر اهتماماً وعناية بالنسخة الأصلية من الضوابط والتوازنات الداخلية، عبر الآليات الرامية إلى بناء التماسك الوطني بدلاً من الاندفاع المتهور نحو الديمقراطية التمثيلية على النحو الممارَس في الغرب المتقدم. ويقول التقرير المشار إليه أيضاً: «تحتاج الهويات المشتركة إلى استبدال –أن تحل محل– الهويات المجزأة».
من الضروري للغاية وجود السلام الاجتماعي (المدني)، عبر العقد الاجتماعي الذي يقلل من الانقسامات الداخلية، حتى يتسنى للحكومة حيازة السلطات اللازمة لجمع الضرائب، وتأمين الشوارع، وبناء المؤسسات التي تعمل على ضمان سيادة القانون، وحقوق الملكية للمستثمرين، المحليين والأجانب على حد سواء. ومع استمرار عمل الحكومة على هذا السياق، لا ينبغي إجبارها على التقيد بوصفات محددة في السياسة الاقتصادية، بل يكفي لتلك السياسات أن تكون واقعية وموجهة في مسار النمو. والأهم من ذلك، هي المكاسب السريعة التي يمكن لكل أطياف المجتمع تقديرها والاستفادة منها، مثل برنامج الحكومة التونسية الجديد لعام 2014 بشأن تنظيف جميع المساجد، والإشارات الشعبية الإيجابية الهادفة إلى بناء المصداقية، مثل قرار الحكومة في رواندا سحب السيارات الفارهة من وزراء الحكومة.
يمكن للمرء قراءة هذا على أنه نوع من التجديف المؤيد للشعبوية من قبل المؤسسات الأكاديمية العليا أو عبارة عن مجموعة من النصائح البراغماتية غير الآيديولوجية الموجهة إلى الدول والمؤسسات الغربية التي تعمل على الحد من الفقر وعدم الاستقرار في ما كان يُعرف باسم العالم الثالث. غير أنني أكثر اهتماماً بقراءة أخرى ممكنة رغم ما تقدم. في واقع الأمر، يقول التقرير إن هناك سمات معينة لنظم حكم الدول الثرية الناجحة لها الأولوية على سمات أخرى، ونعني بذلك التماسك الاجتماعي، وسيادة القانون، وحقوق الملكية التي تتفوق على مظهريات السياسة الديمقراطية.
وهذا إطار مثير للاهتمام يدعو للتفكير في الدول التي لا تعاني من الهشاشة بقدر ما يعانيه العراق أو جمهورية الكونغو الديمقراطية. وعند هذه النقطة، على سبيل المثال، هل ينبغي على الاتحاد الأوروبي الشعور بالقلق بسبب التآكل الظاهر في القيم الديمقراطية في كل من بولندا وهنغاريا؟ ربما كانت هذه الدول تتعامل مع ردة الفعل العنيفة تجاه الخطأ الذي تدور حوله التيمة الرئيسية في التقرير (الاندفاع غير المدروس صوب نظام الحكم المماثل للديمقراطيات القديمة من دون إصلاح الأساسيات والركائز أولاً).
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»