باري ريثولتز
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

سر الأداء الرديء للأسواق في عام 2018

بدا العام الماضي استثنائياً في كثير من أوجهه بالنسبة للأسواق المالية، وبدا أن العالم بوجه عام قد مسّه الجنون. ومن بين الأحداث الغريبة التي شهدها العام تحقيق الأسواق الأميركية عائدات أعلى من المتوسط، وتحقيق الشركات أرباحاً قياسية، وجني الشركات عائدات أكبر بالخارج، خصوصاً بالنسبة للمستثمرين الأميركيين لدى تقييمهم الأسعار بالدولار. كما سجلت الأسواق معدلات تقلبات منخفضة على نحو قياسي.
في المقابل، جاءت التقلبات السياسية حادة على نحو قياسي. واقتربت معدلات الفائدة على ودائع «الاحتياطي الفيدرالي» من مستوى قياسي في انخفاضه، في الوقت الذي جاءت فيه معدلات التضخم أدنى من الطبيعي وحققت السندات عائدات منخفضة.
وإذا كان عام 2017 عام الغرابة والخروج عن المألوف، فإن عام 2018 يمكن وصفه بعام العودة إلى الأوضاع الطبيعية. وهنا يظهر التساؤل: ما الذي تغير؟ عندما تجمع عائدات فوق المستوى المتوسط مع مرور الوقت وحدث فني محدد للغاية، فأنت تخلق بذلك البيئة المناسبة لتحويل المسار نحو الاتجاه المقابل. الملاحظ أن أسواق الأسهم الأميركية ارتفعت على امتداد 9 أعوام متتالية، وخلال 7 من تلك الأعوام التسعة، ارتفعت بمعدل بلغ 10 في المائة أو أكثر. والآن، من الطبيعي أن تظهر الحاجة لأن تهضم الأسواق هذه المكاسب. وعليه، فإن من يتطلعون باتجاه الدورة الأطول للسوق بعد هذا الأداء المبهر، لن يفاجأوا إذا ما عايشت الأسواق انحساراً على امتداد ربع أو 3 أرباع عام.
والآن، لماذا عاودت التقلبات الظهور فجأة؟ يمكنك النظر إلى مثل هذه المكاسب طويلة الأمد من خلال مؤشرات واسعة. لقد وجد التجار وصناديق التحوط تجارة رائجة في المراهنة ضد التقلبات. ومن بين الصناديق والسندات التي يجري التداول بها في سوق الأسهم والتي يقارب عددها 12، تركز الجزء الأكبر من رأس المال في قلة قليلة منها. ولا يزال السبب وراء ذلك غير معروف.
أتخيل من جانبي أن شخصاً ما في مكان ما في فبراير (شباط) قرر أنه نال كفايته؛ وسحب رهانه من على الطاولة. وإذا ما رغبنا في النظر إلى الأمر من زاوية تاريخية، فيمكننا الرجوع إلى ديسمبر (كانون الأول) عام 2006 عندما وصل «في آي إكس»، المعروف باسم «مؤشر الخوف»، إلى مستوى منخفض بلغ 9.39 في التوقيت ذاته الذي بدأت فيه السوق الإسكانية في التعثر، وبدأت أسواق الأسهم رحلتها الأخيرة نحو الصعود قبيل حدوث «الركود الكبير» والانهيار بنسبة 57 في المائة.
ومع اقتراب مؤشر «في آي إكس» على نحو أكبر من مستوى منخفض قياسي بالنسبة له بلغ 8.56 في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، أعتقد أن ثمة سلسلة من الأحداث دفعت حاملي الأوراق المتقلبة المرتبطة بالرفع وشرعوا في بيعها. بدأ الأمر بأعداد قليلة، ثم تحول إلى سيل عارم. ومثلما هي الحال في أغلب الأوقات، يؤدي البيع إلى مزيد من البيع. وفي غضون فترة قصيرة، ظهرت دائرة مفرغة من التقلبات. ولم يشهد الوضع اشتعال حالة من الذعر الصريح، وإنما أدت عمليات البيع التدريجية إلى مزيد منها على امتداد بضعة أشهر، تحديداً من نوفمبر حتى فبراير، عندما قفز مؤشر «في آي إكس» إلى 50.3.
لماذا يتسبب بيع الأوراق النقدية المتقلبة في زيادة حدة التقلبات؟ هناك قول مأثور في أسواق «وول ستريت» هو: «عندما تكون تحت ضغط، فلن يكون بإمكانك بيع ما تريد، بل ستبيع ما تستطيع بيعه». ويعني هذا أن أي شيء سائل ويسهل تحويله إلى نقد فسيباع، غالبا لتلبية هامش الطلب. واستنادا إلى الشواهد، فهناك بعض التجار المسجلين لدى مؤشر «500 إس آند بي 500» والذين يعتمدون عليه بوصفه ضامناً أساسياً للأوراق النقدية المتقلبة التي جرى شراؤها على الهامش. ومع زيادة التقلبات، فإن الأوراق المالية تتخطى قيمتها الهامش الأساسي. وعندما تسير العمليات التجارية بشكل مريب، فهنا يحتاج الشخص لأن يزيد من ماله السائل وبسرعة. وهذا يفسر السبب في الضربة التي تلقتها السوق رداً على زيادة التقلبات.

- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»