محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

فاقد الذكاء الوجداني لا يعطيه

شاركت في لجان عدة لتوظيف كبار القياديين والمديرين، ووظائف أدنى، وكان أكثر ما يثير استغرابي حينما أجد أحد الزملاء يبحث في الشهادات الدراسية للمرشح للوظيفة أو درجاته الدراسية ليحدد موقفه منه! وينسى هؤلاء أن الإنسان ليس آلة تحتاج إلى «شهادة منشأ» أو درجة جودة بل هو مجموعة من العناصر والمهارات والخبرات تنصهر لتقدم شخصية مميزة تثري بيئة العمل. ولهذا لا ينتبه البعض إلى أن الجانب الوجداني لا يقل أهمية، وهو ما دفع كبريات الشركات العالمية إلى أن تأخذه بعين الاعتبار في تعيين كبار المسؤولين أو تضمّنه في ثنايا اختبارات التوظيف لحديثي التخرج.
وقد تبيّن بالفعل أن نجاح المرء في العمل لا يعتمد على قدراته العقلية فحسب بل على مهاراته الاجتماعية أو ذكائه الوجداني. والذكاء الوجداني هو حُسن التعامل مع الناس على اختلاف أمزجتهم وعواطفهم بحكمة ورزانة. وهو ما لفتني إليه البروفسور مالكوم هيغز في حوار موسع جمعني به قبل أيام. إذ نشر أبحاثه في كتاب بعنوان «القيادة بالذكاء الوجداني». وهذا ما أشار إليه أيضاً أستاذ علم النفس بجامعة الكويت أ.د. عثمان الخضر في أبحاثه وفي كتابه «الذكاء الوجداني» الذي ذكر فيه أن «النجاح في الأداء الوظيفي وفي الحياة الخاصة والعامة للفرد يعتمد على ذكائه الوجداني بنسبة 80% بينما يعتمد على الذكاء العقلي (IQ) بنسبة 20% فقط».
د. الخضر لفتني أيضاً في اتصال هاتفي إلى دراسة مهمة، أعدها أشهر المتخصصين في الذكاء الوجداني وهو د. دانيال غولمان، وأُجريت على 181 وظيفة في 121 شركة في مختلف أنحاء العالم لقياس «المهارات المهمة للنجاح في العمل» وقسمت الدراسة المهارات إلى: معرفية، وفنية Technical، ومهارة وجدانية (إنسانية)، فتبين أن 76% من العوامل التي تعد مهمة للنجاح في العمل، هي مهارات وجدانية، أي أن أهميتها بلغت ضعفَي المهارات العقلية والفنية. ولمّح د. الخضر، الذي حصل على جائزة دولة الكويت التشجيعية عن بحثه «الكفاءات القيادية»، إلى أن دراسة أخرى أجراها الباحث ريتشارد بوياتزس على ألفي مدير إدارة وسطى ومديرين تنفيذيين ومشرفين في عدة منظمات أظهرت أن هناك «16 قدرة يمكن أن تميز بين الأداء المتميز لهؤلاء، كان من بينها الرابعة عشرة، مهارات وجدانية».
وعليه، لا غرابة حينما نسمع أن أناساً قد فرّوا من وظائف عشقوها لأنهم لم يجدوا من يقدّر مواهبهم أو بسبب مدير لا يفقه أبجديات التعامل بلطف ولين مع المحيطين به... لأن فاقد الذكاء الوجداني لا يعطيه.
[email protected]