حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

وداعاً غسان الإمام

الكلمات تبقى دوماً عاجزة عن رثاء الكبار وقت رحيلهم الحزين. هكذا هو الحال الآن وأنا أحاول الكتابة بما يليق بقامة عظيمة مثل الراحل الكبير الأستاذ غسان الإمام، الذي غادر دنيانا منذ أيام قليلة بعد رحلة عظيمة من العطاء والألم والحزن والكلمات الخالدة. كان غسان الإمام من آخر الكتاب الموسوعيين الذي ينهل من التاريخ ويوثّق أحداثه تارةً كشاهد شخصي عليها أو بمرجعية معتمدة. سلّط الضوء على مآسي ومجازر نظام الأسد الأب والابن بحق الشعب السوري قبل أحداث الانتفاضة السورية منذ أكثر من سبع سنوات. كتب مفنداً وقائع مذهلة عن تجاوزات أخلاقية وعنصرية وطائفية، وعن توغل حكم الأسرة والطائفة داخل حزب البعث والجيش وأجهزة الاستخبارات والاقتصاد السوري عموماً. كان راقياً في كلماته ولم يتوقف عن مسيرة الكتابة رغم تعرضه لسيل لم يتوقف من التهديدات بتصفيته على أيدي مخابرات الأسد، كما فعلوا قديماً بأعداد هائلة من الكتاب والصحافيين الذين تجرأوا على فضح أفعالهم.
غسان الإمام كان ذاكرة حية لأرشفة الطغيان الأسدي، وكان مرجعية حية لأحداث مفصلية وشخصيات عاشت وماتت لأجل النظام أو مقاومةً له. رحل عن دمشق بعد أن أغلق نظام البعث الانقلابي نوافذ الحرية الصحافية التي كانت موجودة، وهرب من مدينته إلى بيروت، ولم يسلم من تهديد النظام بتصفيته والقضاء عليه فهرب من دمشق وبيروت إلى باريس التي كانت منفاه الإجباري، واختار المقال الأسبوعي أن يكون نافذته على الهواء، على العالم العربي وعلى سوريته وعلى التاريخ وعلى العروبة وجمعيهم كانوا شغله الشاغل. فهو تميز بالتخصص والتركيز على مواد معينة أصبح فيها المرجعية ولم ينافسه فيها أي أحد. آمن بالعروبة، بأنها الصون العظيم أمام حواجز الطائفية والمذهبية وكان كاشفاً عظيماً لنيات وأساليب وأهداف تركيا وإيران في المنطقة بناءً على شواهد ومعطيات رآها وتعايش معها وعرفها عن قرب. كان شمولياً في مقاله يعرّج دوماً على التاريخ لتأكيد وجهات نظر حالية وآنية، وكان ماهراً وعبقرياً في ربط الأحداث بعضها ببعض لإيصال القارئ إلى وجهة نظره المنشودة بمنتهى السلاسة والمنطق والحرفية والبلاغة. حجم المقال «الطويل» والثري لم يقلل من حضور قرائه ومتابعيه في ظل عصر «المختصر» و«التغريد»، وزادت أهمية ما كان يطرحه بعد أن انطلقت الاحتجاجات الشعبية في المدن السورية كافة نتاح ما كان يتطرق إليه غسان الإمام من معانٍ وأحداث ومواقف.
رحل غسان الإمام قامة سورية صحافية شامخة، ولآخر لحظة في عمره كان صخرة حق، يفضح أفعال أقبح نظام عرفته المنطقة. مات غسان الإمام وبقلبه حسرة بحجم الكون وأمل لم يتحقق بالعودة إلى شام محررة من رجس النظام وأذنابه. العزاء العظيم أن غسان الإمام رحل والمئات من الشرفاء ينعونه ويترحمون عليه ويدعون له بالمغفرة. رحم الله غسان الإمام رحمة واسعة، كان شجاعاً بقلمه وعظيماً بكلماته. ستفتقده صفحات «الشرق الأوسط» وسيفقده القراء والكتاب وأولهم أنا. رحمك الله يا أستاذ غسان.