محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

ماري بيكفورد بين غريفيث وديميل

وليام سي. ديميل هو الشقيق الأكبر للمخرج الأشهر سيسيل ب. ديميل. وكلاهما بدأ العمل مخرجاً وكاتباً في عام واحد هو 1914 منفصلين في البداية ثم متلازمين. وليام كمنتج وسيسيل كمخرج.
قبل ذلك العام بقليل كان وليام ما زال مخرجاً مسرحياً لا يفكر في التعاطي مع اختراع وليد اسمه سينما. وكان أخرج سنة 1907 مسرحية بعنوان «حراس فرجينيا» لعبت أحد أدوارها ممثلة مسرحية ناشئة اسمها غلاديس لويس سميث. بعد عامين بدأت غلاديس التمثيل في أعمال المخرج والمنتج ديفيد وورك غريفيث، وبعد حين وجيز قامت بتغيير اسمها إلى ماري بيكفورد.
غريفيث أعجب بتمثيلها وساعدها على اختيار اسم جديد لها هو ماري بيكفورد. أكثر من ذلك، عرض عليها، سنة 1909 اتفاق عمل تتقاضى بمقتضاه 10 دولارات أسبوعياً لمدة 40 أسبوعا مع زيادة الراتب بعد انقضاء تلك المهلة. ماري بيكفورد قررت، وكانت لا تزال في السابعة عشرة من عمرها، أن التمثيل للسينما هو مستقبلها وليس المسرح، وما هي إلا بضع سنوات حتى امتهنت التمثيل السينمائي وانتقلت على نحو شبه كامل للوقوف أمام الكاميرا عوض مواجهة الجمهور مباشرة من فوق خشبة المسرح.
هذا ما يعيدنا إلى وليام سي ديميل، الذي كان بدوره مقتنعاً بموهبة ماري بيكفورد ومرتاباً بالنسبة لمستقبل السينما، لذلك حين سمع أنها تود الإقبال على التمثيل السينمائي وهجرة المسرح عبّـر عن أسفه للمنتج المسرحي ديفيد بيلاسكو بقوله: «هذه الفتاة المسكينة تفكر في اعتناق التمثيل السينمائي بجدية. أتذكر كيف أنك اعتقدت أن أمامها مستقبلاً واعداً. الآن ترمي هذا المستقبل في صندوق قمامة وتدفن نفسها في ترفيه رخيص».
سيسيل لم يكن مستاء فقط من ماري بيكفورد التي كان اسمها غلاديس سميث، بل من شقيقه الأصغر سيسيل ب. ديميل الذي صارحه برغبته المماثلة في ترك المسرح ودخول السينما. وليام نصح شقيقه بأن يتروى وأخبره أن هذه «السينما» ليست سوى متعة رخيصة الشأن: «المسرح هو الفن وهو الأساس. لا تهجره».
لكن سيسيل لم يستمع لشقيقه وليام ومضى سنة 1914 لتحقيق أول مجموعة من أفلامه (في ذلك الحين كان العمل بالجملة ولم يكن غريباً إنجاز حفنة كبيرة من الأفلام القصيرة والمتوسطة في عام واحد). لكن وليام ديميل نفسه لم يتأخر عن اللحاق بقرار شقيقه ولو منتجاً في بادئ الأمر أنجز ثمانية أفلام في سنة 1914، قبل أن يقتنع بدوره أن الإخراج للسينما فن كبير مماثل للمسرح فانطلق ليحقق فيلمه الأول مخرجاً وعنوانه The Ragamuffin سنة 1916.
في غمرة هذا الحديث من الطريف إلى حد بعيد التذكير أيضاً بأن والد الشقيقين، واسمه هنري، كان مبشراً مسيحياً في البداية ثم ترك التبشير وانصرف لكتابة المسرحيات، وذلك في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.
وليام س ديميل كتب وأخرج وأنتج 91 فيلماً آخرها سنة 1939 (وهذا رقم مرتفع لمخرج لم يكترث للسينما سابقاً). شقيقه الأشهر منه كونه «مخرج الملاحم» ارتبط مخرجاً وكاتباً ومصوّراً ومنتجاً بـ125 فيلما، آخرها سنة 1958 (قبل سنة من وفاته). أما ماري بيكفورد فمثلت وأنتجت 263 فيلما، آخرها سنة 1949، وهي مثلت أول أدوارها سنة 1909 كما تقدم، وتوفيت سنة 1979.