ليونيد بيرشيدسكي
TT

اتفاق ترمب وكيم يحمل بعض الأمل

جاء إعلان زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، السبت، عن أن بلاده ستتوقف عن إجراء اختبارات لأسلحة نووية وصواريخ باليستية عابرة للقارات، بمثابة مؤشر على أن كيم على استعداد لعقد اتفاق مع الرئيس دونالد ترمب، وأنه يدرك جيداً كيف يمكن إبرام اتفاق مع ترمب.
لا شك أن هذه مناورات دقيقة للغاية يتابعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقيادات إيران عن قرب.
وحتى من قبل دخول الولايات المتحدة فعلياً في اتفاق مع كوريا الشمالية، يحمل مجرد استعداد الأخيرة للدخول في محادثات مؤشراً على تفوق البراغماتية على المبادئ. ربما تدافع الولايات المتحدة عن قيم بعينها، لكن تظل لهذه القيم أولوية متأخرة عن مصالحها.
وفيما يتعلق بكوريا الشمالية على وجه الخصوص، تتسم المصالح بأهمية أساسية؛ القضاء على التهديد النووي لكوريا الشمالية تجاه الأراضي الأميركية، وتخفيف حدة التوتر داخل شبه الجزيرة الكورية، حيث توجد كوريا الجنوبية، الحليف القوي للولايات المتحدة. ومع أن حكم عائلة كيم قضى على أعداد أكبر بكثير من الكوريين عما أباده حكم آل الأسد في سوريا من السوريين، ومع أن الولايات المتحدة ليست لديها حتى علاقات دبلوماسية مع نظام كوريا الشمالية، ومع أن والد كيم وجدَّه أثبتا مراراً وتكراراً أنهما لا يلتزمان بالقواعد الغربية في اللعبة السياسية، لا تزال الولايات المتحدة على استعداد للدخول في محادثات مع كوريا الشمالية.
في الواقع، بمجرد تجاهل الدوافع الآيديولوجية، تبقى هناك ثلاثة أسباب جعلت من المحادثات بين ترمب وكيم أمراً ممكناً: رغبة رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، في تعزيز الروابط مع الشطر الكوري الشمالي، وقدرة كيم على تأكيد انتصاره (فعلى كل حال، لم تكن الولايات المتحدة لتجلس على طاولة التفاوض لولا اختباراته الصاروخية الناجحة)، وكذلك قدرة ترمب على التأكيد على انتصاره (يمكنه القول إنه أجبر كيم على التفاوض من خلال التهديد بـ«النار والغضب»، ثم تشديد العقوبات الاقتصادية).
حتى الآن، لم يتضح تماماً بعد ما إذا كانت هذه الظروف كافية. من جانبه، بمقدور كيم المبالغة في التشدد بموقفه، عبر المطالبة بأن تقلص واشنطن بصورة كبيرة من وجودها العسكري في كوريا الجنوبية. في المقابل، ربما يتشبث ترمب بنزع تسليح نووي كامل من جانب كوريا الشمالية، بدلاً عن محاولة فرض تجميد على برنامج الأسلحة لديها تحت رقابة دولية. أما نتيجة المحادثات بين الطرفين، فسوف تعتمد على قدرة المفاوضين من كلا الجانبين على الاستمرار في طرح حجة مقنعة تفيد بانتصارهم.
والتساؤل هنا: ماذا لو أن مزيجاً مشابهاً من الظروف من الممكن أن يدفع الولايات المتحدة وروسيا على الطريق نحو عقد اتفاق ينهي العودة التي نشهدها هذه الأيام لأجواء الحرب الباردة؟
في الواقع، التوصل لمثل هذا الاتفاق مع روسيا يستلزم تناول قضية أوكرانيا (لكن ليس بالضرورة سوريا)، وإقرار قواعد واضحة للتعاون «السيبري»، والالتزام بعدم تدخل أي من الطرفين في الانتخابات الخاصة بالطرف الآخر، وفرض قيود على الدفاعات المضادة للصواريخ وسبل اختراقها.
إذا بدأ ترمب وبوتين الحديث حول هذه القضايا، فسيتمكن بوتين من الترويج لفكرة أنه انتصر، وأن الغرب أنصَتَ أخيراً لتهديداته باستخدام أسلحة فائقة وأدرك أنه ليس بإمكانه الاستمرار في تجاهل روسيا باعتبارها قوة إقليمية آخذة في الأفول. أيضاً، سيكون باستطاعة ترمب التشدق بفكرة أنه حقق انتصاراً في أعقاب استهدافه روسيا بعقوبات أشد صرامة عن تلك التي فرضها سلفه، والوقوف في وجه بوتين بصورة عامة، مع الحرص في الوقت ذاته على ترك إمكانية التوصل لاتفاق بين الجانبين قائمة.
ومع ذلك، يبقى التوقيت غير مناسب. ويكمن العنصر الناقص هنا في وجود نظير أوكراني على استعداد لتنفيذ الجزء السياسي من «اتفاق مينسك»، واستعادة الأجزاء التي اقتطعها عملاء روسيا من الأراضي الأوكرانية بصورة هادئة قدر الإمكان.
من جانبه، يعاني الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو من قيود شديدة، في وقت يسعى فيه لتعزيز نفوذه استعداداً لإعادة انتخابه عام 2019.
والمؤكد أن الأوكرانيين لن يقدموا على انتخاب أي شخص يبدو متساهلاً بأي صورة كانت إزاء روسيا، خصوصاً أن النزاع بين البلدين حديث للغاية، على خلاف الحال مع الحرب الكورية.
ومن دون وجود «أحد الحمائم» على الصعيد السياسي المحلي، تبقى الولايات المتحدة هي الأخرى مقيدة للغاية، نظراً لأنه حتى ترمب نفسه ليس باستطاعته الظهور بمظهر من يساعد على تفكيك روسيا لدولة مجاورة. وعلى الصعيد الواقعي، من بين العناصر الغائبة أيضاً كونغرس أميركي يبدي انفتاحه على فكرة التوصل لاتفاق، خصوصاً أنه ليس هناك رأسمال سياسي يمكن جنيه الآن من وراء الظهور بمظهر المتسامح تجاه روسيا.
من زاوية ما، يبدو بوتين في موقف أسوأ من كيم، رغم أن العلاقات الروسية - الأميركية، حتى مع وجودها عند أسوأ نقطة لها منذ عقود، لا تزال أفضل من العلاقات الأميركية - الكورية الشمالية.
يقف الرئيس الروسي اليوم أسيراً لنجاحه النسبي داخل أوكرانيا، ما يحتم عليه أن يستمر في موقفه الراهن كي يبدو منتصراً. وبالمثل، فإنه ليس باستطاعته التخلي عن دعمه للأسد في سوريا. ومن هنا، صدر إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الجمعة، عن أن روسيا ستمد الأسد بمنظومة دفاع جوي طراز «إس - 300».
وعليه، فإن بوتين بحاجة إلى طرف ثالث لرأب الصدع القائم بينه وبين ترمب، لكن حتى هذه اللحظة ليس ثمة وجود لمثل هذا الطرف. وبالتالي، يجد بوتين نفسه مجبراً على التظاهر بأنه لا يرغب في التوصل لاتفاق، رغم أن غالبية الروس، بما في ذلك كثيرون داخل الكرملين، كانوا سيشعرون بسعادة وارتياح حال إنجاز مثل هذا الاتفاق.
وماذا عن إيران وإمكانية إبرام اتفاق جديد معها، مع التركيز هذه المرة على كبح جماح أطماعها الإقليمية؟ بإمكان الولايات المتحدة ترك إيران تحتفظ بنفوذها داخل سوريا ولبنان مقابل الاعتراف بإسرائيل والتوقف عن دعم المتمردين الحوثيين في اليمن. بعد ذلك، لن يصبح التدخل الروسي في سوريا قضية مهمة، ولن يكون من الضروري عقد محادثات منفصلة مع بوتين حول الأمر، وذلك لأن بوتين وحلفاءه الإيرانيين سينجزون مهمتهم ببساطة في بلاد لا ترغب الولايات المتحدة في خوض حرب برية بها؛ سواء كان مَن بداخل البيت الأبيض ديمقراطياً أو جمهورياً.
ويستلزم الوصول لهذا الاتفاق، تمتع الإيرانيين بالقدرة على ادعاء تحقيق انتصار، الأمر الذي سيفعلونه حقاً، نظراً لأن الاتفاق يعني الاعتراف بهم عاملاً مشروعاً داخل الشرق الأوسط ويتيح لهم الوصول إلى فرص اقتصادية أفضل.
أيضاً، سيتمكن ترمب من التفاخر بأن ضغوطه على طهران أتت ثمارها. إلا أنه ستكون هناك حاجة لحليف حيوي للولايات المتحدة بالمنطقة يبدي توجهات أكثر تسامحاً بكثير إزاء إيران عما عليه الحال اليوم.

- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»