جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

تغريدات منتصف الليل!

شدتني مقابلة أُجريت أخيراً مع الأكاديمية ماري بيرد مقدمة برنامج «حضارات على عتبتك» الذي يعرضه تلفزيون الـ«بي بي سي»، ومهمته تعريف المشاهد بأماكن تاريخية في بريطانيا، تحكي قصصاً وحكايات عن الرومان ومومياء الفراعنة، وغيرها من المواضيع المهمة للبعض، والمملة بالنسبة لغير الآبهين بالتاريخ والثقافة.
وأكثر ما شدني في تلك المقابلة رد بيرد على «أصحاب القلوب السوداء الإلكترونيين» الذين أتحفوها بتعليقاتهم المسيئة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتحديد على موقع «تويتر»، وأعجبتني بردها البسيط بأنها لا تأبه لـ«الكتائب الإلكترونية»، لا بل وقدمت بعض النصائح لهم، كالتغريد في أوقات معينة، لأنها ترى أن التغريدات التي يقوم بها أصحابها في ساعات متأخرة من الليل تكون مسيئة، لأن صاحبها يكون متعباً أو منهكاً جسدياً، ويكون تركيزه الذهني أقل فعالية، وقالت أيضاً إن مغردي منتصف الليل قد يكونون ثملين، ونصحتهم هم أيضاً بالتروي لليوم التالي قبل الكتابة على المدونة الاجتماعية، مؤكدة أن مستخدمي «تويتر»، ومن دون استثناء، لا بد أنهم قد غردوا شيئاً ندموا عليه لاحقاً لأنهم اختاروا التوقيت الخاطئ.
بصراحة، استوقفني جوابها، وأعجبت بشخصية ماري الواثقة من نفسها، فهي تتعرض للانتقاد بشكل لاذع فقط لأنها لا تتبرج وتهتم بمواضيع الثقافة والمتاحف والتماثيل، وأكثر ما أعجبني هو قولها بأن عالم «تويتر» عالم شائك، وإن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب الإلكترونية.
وللتأكد من وجهة نظر ماري، قمت بالاطلاع على مصادر علمية ودراسات عديدة تثبت بأن مواقع التواصل الاجتماعي لها دوام وأوقات مناسبة، فتبين على سبيل المثال أن وقع التغريدات على «تويتر» يكون أقوى ما بين الساعة 12 ظهراً وبين الثالثة بعد الظهر من الاثنين إلى الجمعة، وتتم إعادة نشر التغريدات عادة ما بين الساعة الخامسة وبين السادسة مساء، وهذا التوقيت مناسب للباحثين عن نشر تغريداتهم، وتكررها على حسابات آخرين. وأثبت الاستطلاع أيضاً الذي أجراه «شور بايرول» بأن هناك شريحة خاصة على «تويتر»، شأنها شأن أي شريحة اجتماعية، تتفرغ لقراءة التغريدات في عطلة نهاية الأسبوع، وهذه الشريحة قد تكون الأغنى والأعلى مقامة اجتماعية.
أما بالنسبة لموقع «لينكد إن للتواصل» فله قوانينه أيضاً، وتبين أن لا أحد يتفرغ لقراءة أي شيء على الموقع يوم الجمعة بسبب بدء عطلة نهاية الأسبوع. والمعروف عن هذا الموقع أنه يستعمل للتواصل المهني، وهذا يبرر الانخفاض الشديد في استخدامه خارج ساعات العمل.
أما بالنسبة للذين يعولون على موقع «فيسبوك»، فتنصحهم الدراسة بنشر موادهم ما بين الساعة الواحدة وبين الرابعة بعد الظهر، وأدنى مستوى لزيارة «فيسبوك» هي في عطلة نهاية الأسبوع قبل الساعة الثامنة صباحاً وبعد الثامنة مساء.
وتوقيت التغريدات الأفضل والأكثر انتشاراً تتأثر بالجغرافيا أيضاً، فتختلف بين بلد وآخر، ففي بلداننا العربية يزيد تأثيرها فترة المساء، في حين أن المدن بالتوقيت الباسيفيكي يكون وقت الذروة فيها عند التاسعة صباحاً، وفي التوقيت الشرقي مثل نيويورك في منتصف النهار، أما في سيدني فعند الساعة العاشرة مساء، وفي شانغهاي وتوقيت الصين عند الساعة التاسعة مساء.
فالتوقيت يختلف في التغريد، ولكن تبقى النماذج ذاتها في كل أصقاع الكرة الأرضية، لأنه في كل مكان ترى المثقف الذي يستعمل عالم التواصل الاجتماعي لنشر المعرفة والمعلومات القيمة، وهناك أصحاب القلوب السوداء الذين أسميهم بـ«الضعفاء» لأنهم بالفعل كذلك، ومنصات التواصل الاجتماعي تجعلهم يشعرون بالقوة الإلكترونية، وأنا متأكدة من أنهم لو رأوا الأشخاص الذين يستهدفونهم شخصياً لما تجرأوا على التفوه بكلمة في حضورهم، فهذا حال النفوس المقيتة والضعيفة في عالم التغريد الشفهي والإلكتروني. ولهذا فقط لا تغردوا منتصف الليل!