محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

صدور منفوخة

الأسطوانة مشروخة لكنّها ما زالت تعمل. هناك عند مطلعها خدش يجعلها تعاود مكانها. عليك أن ترفع رأس الآلة الدقيقة بأصبعك وتجاوز ذلك الخدش. لكنّك ستفاجأ بخدش آخر ثم خدوش متعددة لاحقاً. ليس من جديد وليس من حل للقديم لأنه، وفي هذه الحالة فقط، القديم يعيش.
أتحدث عن توزيع الألقاب في المجتمع الفني. تلك التي يستخدمها الصحافيون دوماً في كتاباتهم عندما يريدون ذكر اسم معين. هذا زعيم وذاك نجم السينما المصرية وهذه معبودة الجماهير وتلك النجمة الواعدة وهناك 44 شبيهاً آخر.
إنها عقدة نقص متحكمة تملك زمام الفنانين ومحاولات تقرب ثعلبانية من قبل الإعلاميين من الناحية الأخرى. الأمر بات مستحكماً عقداً بعد عقد. جيلا بعد جيل. وهناك من لا يستطيع أن يتصوّر ذكر اسم عادل إمام من دون كلمة «الزعيم» قبله أو ذكر اسم فاتن حمامة من دون «فنانة السينما العربية» أو عمر الشريف بلا «النجم العالمي».
هل قرأت ذات مرّة شيئاً مثل «يستعد الممثل عادل إمام للعودة إلى التلفزيون من خلال مسلسل كوميدي جديد»؟ طبعاً لا. لأن الكاتب عليه أن يسبق الاسم بكلمة «الزعيم». وعادل إمام نفسه لو قرأ الخبر من دون تلك الكلمة سيفتقدها.
بعض الألقاب مفهومة في سوق المنتجات الغذائية: ملك البطيخ، أمير العصير، سلطان الفلافل الخ... لكن ما يمكن قبوله في سوق الخضار، لا يمكن قبوله في سوق الفن. نحن لا نجد في الغرب إعلاناً سينمائياً يقول: من بطولة الزعيم ليوناردو ديكابريو، أو خبراً عن عودة «ملكة الغناء» ريحانا في ألبوم جديد.
أقصى ما يذهب الإعلان والإعلام الفني في الغرب هو التذكير بالإنجازات: «الفائز بالأوسكار ليوناردو ديكابريو» وبطل مسلسل «ايرون مان» روبرت داوني جونيور... الإنجازات يا إخوة، وليس الصدور المنفوخة.
المسألة ليست مجرد تقدير. بل أشك كثيراً في أنها تقدير من أي نوع. التقدير هو بحسبان الإنجازات وبالإعلاء من شأن الممثل بذكر مهنته. ليس هناك من تشويه سمعة ولا من إهانة، فالممثل الفلاني هو ممثل. هذه حرفته وليست عيبه إلا إذا اعتبرها كذلك.
عادل إمام ليس وحده في هذا الإطار. كثيرون جداً يريدون حمل اللقب، ولو كان الأمر ممكناً لمشوا في الشوارع وفوقهم لافتات تقول ذلك. لظهروا في البرامج التلفزيونية وأمامهم ووراءهم تذكير مصوّر بأن هذا الضيف هو «النجم العالمي» و«سيدة الغناء المعاصر» وسوى ذلك.
الحال نفسه مع وصف يأتي بعد الاسم من باب التأكيد على ما لا يجب أن يؤكد وهذا باستخدام كلمة «الكبير». فهذا هو «الناقد الكبير» وذلك «المخرج الكبير» أو «المنتج الكبير». ومن باب التنويع أحياناً تستبدل بكلمة «الكبير» كلمة «القدير».
جزء كبير من كل هذا مرجعه عادات وتقاليد بعضها في مكانه وبعضها الآخر نما على الجدار ولم يرغب أحد في استئصاله. وأكاد أسمع من يقول: «وماذا لو وصفنا عادل إمام بالزعيم؟ أليس زعيماً بالفعل؟». الجواب المختصر هنا هو بالطبع لا. لا أحد في الفن أفضل من سواه إلا بموهبته. وموهبة عادل إمام أفضل وصف ممكن.