د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

طرابلس أسيرة الميليشيات والتغافل الدولي

طرابلس العاصمة الليبية أسيرة الميليشيات والتغافل الدولي، هذه طرابلس التي هزمت فرسان القديس يوحنا والغزو الإسباني، والبحرية الأميركية في البحر المتوسط، حيث استطاعت البحرية الليبية أسر الفرقاطة الأميركية «فيلادلفيا» في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1803. وأبحر بها البحارة الليبيون إلى ميناء طرابلس، وعلى متنها 308 من البحارة الأميركيين استسلموا جميعاً، وعلى رأسهم قائدها الكابتن بينبريدج، وانتهت الحرب مع الولايات المتحدة بتوقيع معاهدة سلام تلتزم فيها أميركا بدفع ضرائب سنوية لباشا طرابلس، مقابل عدم التعرض لسفنها في البحر الأبيض المتوسط، وكانت هذه قوة ليبيا التي فرضت الجزية على أميركا، والهزيمة لها على شواطئ طرابلس جعلت جنود «المارينز» يرددون منذ عام 1803 إلى اليوم في نشيد البحرية الأميركية كل صباح ومساء: «من قاعات مونتيزوما إلى شواطئ طرابلس، نحن نخوض معارك بلادنا في الجو والبر والبحر».
طرابلس العاصمة التي دحرت الغزاة، وصاحبة هذا التاريخ الطويل من النضال، هي اليوم أسيرة لميليشيات الإرهاب و«الإسلام السياسي»، العابرة للحدود، التي تتنوع في الولاء بين البغدادي والظواهري وبديع، تحت مسميات «داعش» و«القاعدة» و«الإخوان»، في ظل تغافل دولي لا يمكن تفسيره بمعزل عن تآمر دولي لتوطين الفوضى والإرهاب ضمن مشروع بدأ في عهد أوباما هيلاري كلينتون متخذاً من مخطط كوندوليزا رايس لنشر الفوضى «الخلاقة»، التي كان مشروعها سيطرة الميليشيات على العاصمة طرابلس منذ الأيام الأولى لحراك فبراير (شباط) 2011. فأغلب الميليشيات في العاصمة تشكلت على أساس المال والمصالح المشتركة، وأخرى جهوية، كميليشيات من مدينة مصراتة وأخرى من الزنتان، اللتين تتنافسان على تقاسم النفوذ في العاصمة، وإن كان أغلب الميليشيات في طرابلس تشكلت على أساس آيديولوجي كميليشيات «الإسلام السياسي» التي تتحالف مع ميليشيات المال والنفوذ التي تتنقل في ولائها بين مختلف أنواع الميليشيات كميليشيا «ثوار طرابلس»، لتحقيق قدر من المغالبة على باقي الميليشيات، وذلك لأن ميليشيات «الإخوان» و«المقاتلة» (فرع القاعدة الليبي) حاضنتها المجتمعية ضعيفة، ولا تكاد تذكر بين سكان طرابلس الأصليين، ولهذا تجد في تحالفها مع ميليشيات النهب والمال الأسود قوة تساعدها على قهر السكان وفرض سيطرتها.
طرابلس سيبتموس سيفيروس وطرابلس عمر المختار والسرايا الحمراء وميدان الشهداء وميدان الغزالة، هي اليوم أسيرة ميليشيات «الإسلام السياسي»، التي لا يريد السيطرة على العاصمة طرابلس فقط، ولكنه يسعى إلى السيطرة على ليبيا وأموال ليبيا من أجل التمكين للتنظيم، والهيمنة على كل المنطقة، لكن مشروعهم فشل في أن يتمدد، لأن الجيش الوطني الليبي حال دون ذلك وكشف مخططاتهم وأحبطها، وسيستعيد طرابلس منهم لا محالة، فلا يمكن لليبيا أن تنزف بهذا الشكل.
كان هدف هذه الجماعات هو السيطرة على المال عبر السيطرة على العاصمة، وجعل أي حكومة فيها رهينة لدى هذه الميليشيات بين الابتزاز والخطف والاغتيال، وهو منهج الميليشيات في التعاطي مع أي حكومة في العاصمة لا ترضخ لمطالب أمراء الميليشيات، يحدث هذا على مرأى ومسمع ومتابعة من مخابرات دول معروفة، عناصرها تعج بها شوارع العاصمة طرابلس، ولكنها تغض البصر عما يجري في العاصمة طرابلس، متجاهلة أن هذا الإرهاب سيعاد تصديره خارج الأراضي الليبية، وما العاصمة إلا محطة ترانزيت لهذه الجماعات الإرهابية، وما الميليشيات إلا أدوات لنهب المال الليبي لتمويل مشاريع تتعدى الأراضي الليبية في حجم تمويلها الضخم من المال المنهوب.
رغم التغافل الدولي عن حجم كارثة سيطرة ميليشيات «الإسلام» السياسي على طرابلس عروس المتوسط، إلا أن طرابلس التي هزمت الغزاة عبر العصور، غداً ستهزم ميليشيات «الإسلام» السياسي بإرادة ليبية خالصة، وإن غداً لناظره قريب.